كتاب ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (اسم الجزء: 26)

وقال القرطبيّ -رحمه اللَّه تعالى-: هذا قولٌ أبرزته الغيرة والدّلال، وهو من نوع قولها: "ما أهجُرُ إلا اسمك". متّفق عليه. و"لا أحمد إلا اللَّه". متفق عليه. وإلا فإضافة الهوى إلى النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - مباعدٌ لتعظيمه، وتوقيره الذي أمرنا اللَّه تعالى به، فإن النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - منزّهٌ عن الهوى بقوله تعالى: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى} [النجم: 3]، وهو ممن نهى النفس عن الهوى، ولو جعلت مكان "هواك" "مرضاتك" لكان أشبه، وأولى، لكن أبعد هذا في حقّها عن نوع الذنوب أن ما يَفعل المحبوب محبوب انتهى (¬1).
وقال السنديّ: قولها: "واللَّه ما أرى ربك الخ" كناية عن ترك التنفير والتقببح لما رأت من مسارعة اللَّه تعالى أنه يسارع في مرضاة النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -، أي كنت أنفّر النساء عن ذلك، فلما رأيت اللَّه -عَزَّ وَجَلَّ- يسارع في مرضاته - صلى اللَّه عليه وسلم - تركت ذلك؛ لما فيه من الإخلال بمرضاته - صلى اللَّه عليه وسلم -.
قال: وقد يقال: المذموم هو الهوى الخالي عن الهدى؛ لقوله تعالى: {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ} الآية [القصص: 50] (¬2).
قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: عندي أن التأويل الأخير هو الصواب؛ لأن الهوى في أصل اللغة هو محبة الشيء، يقال: هَوِيتُ الشيءَ، من باب تعب: إذا أحببته، وعَلِقتَ به، فهذا أصل معناه لغة (¬3)، وإن كان يُطلق على ميل النفس، وانحرافها المذموم، فأرادت عائشة - رضي اللَّه تعالى عنها - هنا محبته - صلى اللَّه عليه وسلم - لأمر، فهذا عندي أولى مما ذكروه من التأويلات؛ مراعاة لتعظيم جانب عائشة - رضي اللَّه تعالى عنها -. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.
مسائل تتعلّق بهذا الحديث:
(المسألة الأولى): في درجته:
حديث عائشة - رضي اللَّه تعالى عنها - هذا متّفق عليه.
(المسألة الثانية): في بيان مواضع ذكر المصنف له، وفيمن أخرجه معه:
أخرجه هنا-3200 - وفي "الكبرى" 1/ 5305. وأخرجه (خ) في "التفسير" 4788 و"النكاح" 5113 (م) في "الرضاع" 1464 (ق) في "النكاح" 2000 (أحمد) في "باقي مسند الأنصار" 24505 و 2723 و 25719. واللَّه تعالى أعلم.
¬__________
(¬1) - "المفهم" 4/ 211.
(¬2) - راجع شرح السنديّ 6/ 54.
(¬3) - راجع "المصباح المنير".

الصفحة 367