كتاب ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (اسم الجزء: 26)

يُجمع على أبناء مقصورًا، وممدودًا. وقيل: هو تصغير ابن، وفيه نظر. وقال أبو عُبيد: هو تصغير بَنِيَّ، جمع ابن مضافًا إلى النفس، فهذا يوجب أن تكون صيغة اللفظة في الحديث أُبَيْنِيّ، بوزن سُرَيْجِيّ، وهذه التقديرات على اختلاف الروايات انتهى (¬1).
وقال الحافظ السيوطيّ في "شرحه" لهذا الكتاب بعد نقل كلام صاحب "النهاية": قال ابن الحاجب في "أماليه": قوله - صلى اللَّه عليه وسلم -: "أُبيني لا ترموا جمرة العقبة ... "، الأولى أن يقال: إنه تصغير بَنِيّ مجموعًا، وكان أصل "بنيّ" بُنيّون، أضفته إلى ياء المتكلّم، فصار بُنَيّويَ في الرفع، وبُنيي في النصب والجرّ، فوجب أن تُقلب الواو ياء، وتُدغم على ما هو قياسها في مثل قولك: ضاربيّ، وكذلك النصب والجرّ، ولذلك كان لفظ "ضاربيّ" في الأحوال الثلاث سواءً، كرهوا اجتماع الياءات، والكسرة، فقلبوا اللام إلى موضع الفاء، فصار أُبينيّ، وليس في هذا الوجه إلا قلب اللام إلى موضع الفاء، وهو قريب لما ذكرناه من الاستثقال في قلب الواو المضمومة همزة، وهو جائزٌ قياسًا، وهذا أولى من قول من يقول: إنه تصغير أبناء، رُدّ إلى الواحد، وروعي مشاكلة الهمزة؛ لأنه لو كان تصغيره لقيل: أُبَيْنَاي، ولم يُردّ إلى الواحد؛ لأن أفعالاً من جمع القلّة، فتصغّر من غير ردّ، كقولك: أُجيمال، وهو أيضًا أولى من قول من قال: إنه جمع أبنا، مقصورًا على وزن أَفعَل، اسم جمع للأبناء، صُغّر، وجمع بالواو والنون؛ لأنه لا يعرف ذلك مفردًا، فلا ينبغي أن يُحمل الجمع عليه، ولأنه لا يُجمَع أفعل اسمًا جمع التصحيح انتهى ما كتبه السيوطيّ في "شرحه" (¬2).
(لَا تَرْمُوا جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ، حَتَى تَطْلُعَ الشَّمْسُ) فيه دليلٌ على أن وقت رمي جمرة العقبة يوم النحر من بعد طلوع الشمس، وإن كان الرامي ممن أُبيح له التقدّم إلى منى، وأُذن له في عدم المبيت بالمزدلفة، لكن الأرجح أن هذا محمول على الاستحباب؛ جمعًا بينه وبين الأحاديث الأخرى الآتية قريبًا التي تبيح الرمي قبله، وفي ذلك خلاف بين أهل العلم، سيأتي تحقيقه قريبًا، إن شاء اللَّه تعالى، واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.
مسألتان، تتعلّقان بحديث الباب:
(المسألة الأولى): في درجته:
حديث ابن عباس - رضي اللَّه تعالى عنهما - هذا صحيح.
[فإن قلت]: قد تقدّم أن الحسن الْعُرَنيّ لم يسمع من ابن عبّاس - رضي اللَّه تعالى
¬__________
(¬1) - "النهاية" 1/ 17.
(¬2) - "زهر الربى" 5/ 271.

الصفحة 43