كتاب ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (اسم الجزء: 26)

إلا بعد الزوال، ولم يُنقل عن أحد منهم أنه وقف قبله، فكأنهم جعلوا هذا الفعل مقيّدًا لذلك المطلق، ولا يخفى ما فيه. قاله الشوكانيّ (¬1).
قال الجامع - عفا الله تعالى عنه -: ما ذهب إليه الإمام أحمد -رحمه اللَّه تعالى-، من أنّ وقت الوقوف لا يختص بما بعد الزاول هو الحقّ؛ لحديث عروة بن مضرّس - رضي اللَّه تعالى عنه - هذا. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة الرابعة): في اختلاف أهل العلم في حكم الوقوف بالمزدلفة:
ذهب جمهور الفقهاء إلى أن الوقوف بالمزدلفة سنة، وليس بواجب. وذهبت طائفة إلى أنه واجب، لا يصحّ الحجٌ إلا به، وقد ذكر الإمام ابن حزم -رحمه اللَّه تعالى- القائلين بذلك، فقال: روينا من طريق عبد الرحمن بن مهديّ، نا سفيان الثوريّ، عن سلمة بن كهيل، عن الحسن العرنيّ، عن ابن عبّاس - رضي الله عنهما -، قال: "من أفاض من عرفة، فلا حجّ له". وعن ابن الزبير رضي الله تعالى عنهما، انه كان يقول في خطبته: "ألا لا صلاة إلا بجمع"، فإذا أبطل الصلاة إلا بمزدلفة، فقد جعلها من فرائض الحجّ. ومن طريق شعبة، عن المغيرة بن مقسم، عن إبراهيم النخعيّ، قال: كان يقال: "من فاته جمعٌ، أو عرفة، فقد فاته الحجّ". ومن طريق عبد الرحمن بن مهديّ، عن سفيان الثوريّ، عن منصور بن المعتمر، عن إبراهيم النخعيّ، قال: "من فاته عرفة، أو جمع، أو جامع قبل أن يزور، فقد فسد حجه". ومن طريق سفيان الثوريّ أيضا، عن عبد الله بن أبى السفر، عن الشعبيّ، أنه قال: "من فاته جمع جعلها عمرةً". وعن الحسن البصريّ: "من لم يقف بجمع، فلا حجّ له". وعن حمّاد بن سليمان، قال: "من فاته الإفاضة من جمع، فقد فاته الحجّ، فليتحلّل بعمرة، ثم ليحجّ من قابل" (¬2).
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: الحق أنّ الوقوف بالمزدلفة من واجبات الحجّ، فلا يصحّ الحجّ إلا به، كالوقوف بعرفة؛ لحديث عروة بن مضرّس - رضي الله تعالى عنه - هذا، فإن قوله - صلى الله عليه وسلم -: "ومن لم يدرك مع الإمام والناس، فلم يدرك" لا يكون أقلّ دلالة على الوجوب من قوله - صلى الله عليه وسلم -: "الحجّ عرفة"، فكما أن من لم يقف بعرفة لم يدرك الحجّ، فكذلك من لم يقف بالمزدلفة، لم يدرك الحج بهذا النصّ.
وهذا كله في غير المرخّص لهم، من النساء، والأطفال، والعَجَزَة، ومن يقوم عليهم، فإنهم لا يجب عليهم الوقوف بالمزدلفة، بل يجوز لهم أن يتقدّموا إلى منى ليلاً، كما نصّ عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - بذلك، حيث أمر الضعفة أن يتقدّموا من جمع بليل. والله
¬__________
(¬1) - "نيل الأوطار" 5/ 64.
(¬2) - "المحلّى" 7/ 131.

الصفحة 8