كتاب ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (اسم الجزء: 26)

ترابها، فمعنى تنتثلونها: تستخرجون ما فيها، وتتمتّعون به. قال ابن التين، عن الداوديّ: هذا هو المحفوظ في هذا الحديث. وقال النوويّ: يعني ما فُتح على المسلمين من الدنيا، وهو يشمل الغنائم، والكنوز، وعلى الأول اقتصر الأكثر. ووقع عند بعض رُواة مسلم بالميم بدل النون الأولى، وهو تحريف انتهى.
وفي رواية للبخاري في "كتاب الاعتصام" من "صحيحه": ما نصّة: "قال أبو هريرة: فقد ذهب رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -، وأنتم تَلْغَثُونها، أو تَزغَثُونها، أو كلمة تشبهها". قال في "الفتح": فالأولى بلام ساكنة، ثم غين معجمة مفتوحة، ثم مثلّثة، والثانية مثلها، لكن بدل اللام راء، وهي من الرَّغْث، كناية عن سعة العيش، وأصله من رَغَثَ الجدي أمه: إذا ارتضع منها، وأرغثته هي: أرضعته، ومن ثم قيل: رُغُوث. وأما باللام، فقيل: إنه لغة فيها. وقيل: تصحيف. وقيل: مأخوذة من اللَّغِيث بوزن عَظِيم، وهو الطعام المخلوط بالشعير. ذكره صاحب "المحكم" عن ثعلب. والمراد يأكلونها كيما اتفق، وفيه بُعد. وقال ابن بطّال: وأما اللغث باللام، فلم أجده فيما تصفّحتُ من اللغة انتهى.
قال الحافظ: ووجدت في حاشية من كتابه هما لغتان صحيحان فصحيتان، معناهما الأكل بالنهم، وأفاد الشيخ مغلطاي عن كتاب "المنتهى" لأبي المعالي اللغويّ لغث طعامه، ولعث -بالغين، والعين، أي المعجمة، والمهملة-: إذا فرّقه، قال: الَّلِغيثُ ما يبقى في الكيل من الحبّ، فعلى هذا فالمعنى، وأنتم تأخذون المال، فتفرّقونه بعد أن تحوزوه، واستعار للمال ما للطعام؛ لأن الطعام أهمّ ما يُقْتَنَى لأجله المالُ، وزعم أن في بعض نسخ الصحيح، وأنتم تلعقونها -بمهملة، ثم قاف-. قال الحافظ: وهو تصحيف، ولو كان له بعض اتجاه انتهى (¬1). واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.
مسائل تتعلّق بهذا الحديث:
(المسألة الأولى): في درجته:
حديث أبي هريرة - رضي اللَّه تعالى عنه - هذا متّفق عليه.
(المسألة الثانية): في بيان مواضع ذكر المصنف له، وفيمن أخرجه معه:
أخرجه هنا - 1/ 3088 و 3089 - وفي "الكبرى" 1/ 4294 و 4295 و 4296 و 4297. وأخرجه (خ) في "الجهاد" 2977 و "التعبير" 6998 و 7013 و "الاعتصام" 7273 (م) في "المساجد" 523 (ت) في "السير" 1553 (أحمد) في
¬__________
(¬1) - "فتح" 15/ 172.

الصفحة 90