كتاب ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (اسم الجزء: 27)

به؛ ليُسِرّ إليه أمر التزويج، كما تقدّم آنفًا، فخلا به، فلما رأى ابن مسعود أن لا حاجة له في ذلك نادى علقمة لعدم الحاجة إلى بقاء الخلوة، وليستفيد علقمة أيضًا بما يسمعه من الحديث.
ففي رواية البخاريّ: "فلما رأى عبد اللَّه أن ليس له حاجة إلى هذا أشار إليّ، فقال: يا علقمة، فانتهيت إليه، وهو يقول: أَمَا لئن قلت ذلك لقد قال لنا النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - ... ". قال في "الفتح": هكذا عند الأكثر أن مراجعة عثمان لابن مسعود في أمر التزويج كانت قبل استدعائه لعلقمة. ووقع في رواية جرير عند مسلم، وزيد بن أبي أُنيسة عند ابن حبّان بالعكس، ولفظ جرير بعد قوله: "فاستخلاه"، "فلما رأى عبد اللَّه أن ليس له حاجة، قال لي: تعالَ يا علقمة، قال: فجئتُ، فقال له عثمان: ألا نزوّجك". وفي رواية زيد: "فلقي عثمان، فأخذ بيده، فقاما، وتنحّيت عنهما، فلما رأى عبد اللَّه أن ليست له حاجة يُسِرُّها، قال: ادنُ يا علقمة، فانتهيت إليه، وهو يقول: ألا نزوّجك".
ويحتمل في الجمع بين الروايتين أن يكون عثمان أعاد على ابن مسعود ما كان قال له بعد أن استدعى علقمة؛ لكونه فهم منه إرادة إعلام علقمة بما كانا فيه انتهى (¬1).
(فحَدَّثَ) أي عبد اللَّه بن مسعود - رضي اللَّه عنه -. ثم إن تحديثه هذا يحتمل أن يكون تحسينًا لكلام عثمان - رضي اللَّه عنه -، أي إن ما ذكرته من النكاح حسنٌ؛ فقد حثّ عليه النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -، لكن لا حاجة لي إليه. ويحتمل أنه قصد به الردّ عليه، بناء على أن الخطاب في الحديث للشباب، كما هو الصريح فيه، فالمعنيّ به من كان في سنّ الشباب، لا في مثل سنّي. واللَّه تعالى أعلم (¬2) (أَنَّ النَّبِيَّ - صلى اللَّه عليه وسلم -، قَالَ) وفي رواية أبي معاوية الآية: "لقد قال لنا رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -: "يا معشر الشباب، من استطاع ... ". وفي رواية زيد بن أبي أنيسة المذكورة: "لقد كنا مع رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - شبابًا، فقال لنا ... ". وفي رواية عبد الرحمن بن يزيد المتقدّمة في "كتاب الصيام" -43/ 2242 - قال: دخلنا على عبد اللَّه، ومعنا علقمة والأسود، وجماعة، فحدثنا بحديث، ما رأيته حدّث به القوم إلا من أجلي؛ لأني كنت أحدثهم سنًّا، قال رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -: "يا معشر الشباب ... ".
و"المعشر" جماعة يشملهم وصفٌ ما، فالشباب معشرٌ، والشيوخ معشرٌ، والأنبياء معشرٌ، والنساء معشرٌ، وكذا ما أشبهه. و"الشباب" جمع شابٌ، ويُجمع أيضًا على شَبَبَة، وشُبّان -بضمّ أوله والتثقيل- وذكر الأزهري أنه لم يُجمع فاعلٌ على فُعّال غيره. وأصله الحركة والنشاط، وهو اسم لمن بلغ إلى أن يكمل ثلاثين، هكذا أطلق الشافعيّة.
¬__________
(¬1) - "فتح" 10/ 134 - 135."النكاح".
(¬2) - راجع "شرح السنديّ" 6/ 57.

الصفحة 19