كتاب ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (اسم الجزء: 27)

وقال القرطبيّ في "المفهم": يقال له: حَدَثٌ إلى ستة عشر سنة، ثم شابّ إلى اثنتين وثلاثين، ثم كهلٌ. وكذا ذكر الزمخشريّ في "الشباب" أنه من لدن البلوغ إلى اثنتين وثلاثين. وقال ابن شاس المالكيّ في "الجواهر": إلى أربعين. وقال النوويّ: الأصحّ المختار أن الشباب من بلغ، ولم يُجاوز الثلاثين، ثم هو كهلٌ إلى أن يُجاوز الأربعين، ثم هو شيخ. وقال الرويانيّ وطائفة: من جاوز الثلاثين سمّي شيخًا. زاد ابن قتيبة: إلى أن يبلغ الخمسين. وقال أبو إسحاق الإسفراينيّ عن الأصحاب (¬1): المرجع في ذلك إلى اللغة، وأما بياض الشعر، فيختلف باختلاف الأمزجة انتهى (¬2).
("مَنِ اسْتَطَاعَ) قال القرطبيّ: أي من وجد ما به يتزوّج، ولا يراد به هنا القدرة على الوطء؛ لقوله: "فعليه بالصوم، فإنه له وجاء" انتهى (¬3).
وفي الرواية التالية: "من استطاع منكم". وخصّ الشباب بالخطاب لأنّ الغالب وجود قوّة الدواعي فيهم إلى النكاح، بخلاف الشيوخ، وإن كان المعنى معتبرًا إذا وُجد السبب في الكهول والشيوخ أيضًا (الْبَاءَةَ) قال وليّ الدين: فيه أربع لغات، حكاها القاضي عياض وغيره، الفصيحة المشهورة: "الباءة" بالمدّ والهاء. والثانية: "البأة" بلا مدّ. والثالثة: "الباء" بلا هاء. والرابعة: "الباهة" بهاءين بلا مدّ. وأصلها في اللغة: الجماع، مشتقّةٌ من المباءة، وهو المنزل، ومنه مباءة الإبل، وهي مواطنها، ثم قيل لعقد النكاح باءة؛ لأن من تزوّج امرأةً بوّأها منزلاً انتهى (¬4).
وقال في "الفتح": "الباءة": بالهمز، وتاء تأنيث ممدود، وفيها لغةٌ أخرى بغير همز ولا مدّ، وقد يُهمز، ويُمدّ بلا هاء، ويقال لها أيضًا: الباهة كالأول، لكن بهاء بدل الهمزة. وقيل: بالمدّ القدرة على مُؤَن النكاح، وبالقصر الوطء. وقال الخطابيّ. المراد بالباءة النكاح، وأصله الموضع الذي يتبوّؤه، ويأوي إليه. وقال المازريّ: اشتُقّ العقد على المرأة من أصل الباءة؛ لأن من شأن من يتزوّج المرأة أن يُبوّءها منزلاً.
وقال النوويّ: اختلف العلماء في المراد بالباءة هاهنا على قولين يرجعان إلى معنى واحد:
أصحّهما: أن المراد معناها اللغويّ، وهو الجماع، فتقديره: من استطاع منكم الجماع؛ لقدرته على مُؤنه -وهي مُؤَن النكاح- فليتزوّج، ومن لم يستطع الجماع؛
¬__________
(¬1) - أي الشافعيّة.
(¬2) - "فتح" 10/ 135. بزيادة من "طرح التثريب" 7/ 3.
(¬3) - "المفهم" 4/ 81 - 82.
(¬4) - "طرح التثريب" 7/ 3.

الصفحة 20