كتاب ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (اسم الجزء: 27)

لعجزه عن مؤنه، فعليه بالصوم؛ ليدفع شهوته، ويقطع شر منيّه، كما يقطعه الوجاء.
وعلى هذا القول وقع الخطاب مع الشباب الذين هم مظنّة شهوة النساء، ولا ينفكّون عنها غالبًا.
والقول الثاني: أن المراد هنا بالباءة مؤن النكاح، سمّيت باسم ما يلازمها، وتقديره: من استطاع منكم مؤن النكاح فليتزوّج، ومن لم يستطع فليصم لدفع شهوته.
والذي حمل القائلين بهذا على ما قالوه قوله: "ومن لم يستطع فعليه بالصوم"، قالوا: والعاجز عن الجماع لا يحتاج إلى الصوم لدفع الشهوة، فوجب تأويل الباءة على المؤن. وانفصل القائلون بالأول عن ذلك بالتقدير المذكور انتهى. والتعليل المذكور للمازريّ. وأجاب عنه عياضٌ بأنه لا يبعد أن تختلف الاستطاعتان، فيكون المراد بقوله: "من استطاع الباءة"، أي بلغ الجماع، وقَدَرَ عليه فليتزوّج، ويكون قوله: "ومن لم يستطع" أي من لم يقدر على التزويج.
قال الحافظ: قلت: وتهيّأ له هذا لحذف المفعول في المنفيّ، فيحتمل أن يكون المراد: ومن لم يستطع الباءة، أو من لم يستطع التزويج، وقد وقع كلّ منهما صريحًا، فعند الترمذيّ في رواية عبد الرحمن بن يزيد من طريق الثوريّ، عن الأعمش: "ومن لم يستطع منكم الباءة". وعند الإسماعيليّ من هذا الوجه من طريق أبي عوانة، عن الأعمش: "من استطاع منكم أن يتزوّج فليتزوّج". ويؤيّده ما وقع في رواية النسائيّ (¬1) من طريق أبي معشر، عن إبراهيم النخعيّ: "من كان ذا طول فلينكح"، ومثله لابن ماجه من حديث عائشة، وللبزّار من حديث أنس.
وأما تعليل المازريّ فيعكُرُ عليه قوله في الرواية الأخرى بلفظ: "كنا مع النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - شبابًا لا نجد شيئًا"، فإنه يدلّ على أن المراد بالباءة الجماع، ولا مانع من الحمل على المعنى الأعمّ بأن يُراد بالباءة القدرة على الوطء، ومؤن التزويج.
والجواب عما استشكله المازريّ أنه يجوز أن يرشد من لا يستطيع الجماع من الشباب لفرط حياء، أو عدم شهوة، أو عُنّة مثلاً إلى ما يهيّء له استمرار تلك الحالة؛ لأن الشباب مظنّة توارن الشهوة الداعية إلى الجماع، فلا يلزم من كسرها في حالة أن يستمرّ كسرها، فلهذا أرشد إلى ما يستمرّ به الكسر المذكور، فيكون قسم الشباب إلى قسمين: قسم يتوقون إليه، ولهم اقتدارٌ عليه، فندبهم إلى التزويج دفعًا للمحذور، بخلاف الآخرين، فندبهم إلى أمر تستمرّ به حالتهم؛ لأن ذلك أرفق بهم للعلّة التي ذُكرت في رواية عبد الرحمن بن يزيد، وهي أنهم كانوا لا يجدون شيئًا. ويستفاد منه أن
¬__________
(¬1) هو الحديث الذي قبل هذا، لكنه بلفظ "من كان منكم ذا طول فليتزوّج ... " الحديث.

الصفحة 21