كتاب ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (اسم الجزء: 27)

الذي لا يجد أهبة النكاح، وهو تائق إليه يندب له التزويج دفعًا للمحذور انتهى (¬1).
(فَلْيَتَزَوَّجْ) أمرٌ، وظاهره الوجوب، وبه قال بعض أهل العلم، وحمله الجمهور على الندب، والأول هو الحقّ على تفصيل سيأتي تحقيقه، إن شاء اللَّه تعالى قريبًا (فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ) الفاء فيه للتعليل؛ أي لأنه أغضّ للبصر. أي أشدّ غضًّا له (وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ) أي أشدّ إحصانًا له، ومنعًا من الوقوع في الفاحشة. وما ألطف ما وقع لمسلم في "صحيحه"، حيث ذكر عقب حديث ابن مسعود - رضي اللَّه عنه - هذا بيسير حديث جابر - رضي اللَّه عنه -، رفعه: "إذا أحدكم أعجبته المرأة، فوقعت في قلبه، فليعمد إلى امرأته فليواقعها، فإن ذلك يردّ ما في نفسه"، فإن فيه إشارة إلى المراد من حديث الباب.
وقال ابن دقيق العيد: يحتمل أن تكون "أفعل" على بابها، فإن التقوى سبب لغضّ البصر، وتحصين الفرج، وفي معارضتها الشهوة الداعية إلى النكاح، وبعد حصول التزويج يضعف هذا المعارض، فيكون أغضّ، وأحصن مما لم يكن؛ لأن وقوع الفعل مع ضعف الداعي أندر من وقوعه مع وجود الداعي.
ويحتمل أن يكون "أفعل" فيه لغير المبالغة، بل إخبار عن الواقع فقط.
(وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ) الباءة (فَلْيَصُمْ) لتنكسر شهوته، فلا يقع في الحرام (فَإِنَّهُ) أي الصوم (لَهُ وِجَاءٌ) -بكسر الواو، والمدّ- أصله الغمز، ومنه وجأه في عنقه: إذا غمزه دافعًا له، ووجأه بالسيف: إذا طعنه به، ووجأ أُنثييه: غمزهما حتى رضّهما. ووقع في رواية ابن حبّان المذكورة: "فإنه له وجاء، وهو الإخصاء"، وهي زيادة مدرجة في الخبر، لم تقع إلا في طريق زيد بن أبي أُنيسة هذه. وتفسير الوجاء بالإخصاء فيه نظر، فإن الوجاء رضّ الأنثيين، والإخصاء استئصالهما. وإطلاق الوجاء على الصيام من مجاز المشابهة. وقال أبو عبيدة: قال بعضهم: وجا بفتح الواو، مقصورًا. والأول أكثر. وقال أبو زيد: لا يقال: وِجاءٌ إلا فيما لم يبرأ، وكان قريب العهد بذلك. قاله في "الفتح".
وقال أبو العبّاس القرطبيّ: وقال بعضهم الوجأة أن توجأ العروق، والخصيتان باقيتان بحالهما، والخصاء شقّ الخصيتين، واستئصالهما، والْجَبّ أن تُحمَى الشّفرة، ثم يستأصل بها الخصيتان. وقد قاله بعضهم: "وَجَا" -بفتح الواو والقصر، قال: وليس بشيء؛ لأن ذلك هو الْحَفَاء في ذوات الخفّ انتهى (¬2).
وقال الحافظ وليّ الدين: ليس المراد هنا حقيقة الوجاء، بل سمي الصوم وجاء لأنه يفعل فعله، ويقوم مقامه، فالمراد أنه يقطع الشهوة، ويدفع شرّ الجماع، كما يفعله
¬__________
(¬1) - "فتح"10/ 135 - 136. "النكاح".
(¬2) - "المفهم" 4/ 85.

الصفحة 22