كتاب ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (اسم الجزء: 27)

واجب، إذ لا يقع التخيير بين واجب ومندوب. وهذا الردّ متعقّبٌ، فإن الذين قالوا بوجوبه قيّدوه بما إذا لم يندفع التوقان بالتسرّي، فإذا لم يندفع تعيّن التزويج، وقد صرّح بذلك ابن حزم، فقال: وفرض على كلّ قادر على الوطء إن وجد ما يتزوّج به، أو يتسرى أن يفعل أحدهما، فإن عجز عن ذلك فليُكثر من الصوم، وهو قول جماعة من السلف.
الوجه الثاني: أن الواجب عندهم العقد لا الوطء، والعقد بمجرّده لا يدفع مشقّة التوقان، قال: فما ذهبوا إليه لم يتناوله الحديث، وما تناوله الحديث لم يذهبوا إليه، كذا قال، وقد صرّح أكثر المخالفين بوجوب الوطء، فاندفع الإيراد.
وقال ابن بطال: احتجّ من لم يوجبه بقوله - صلى اللَّه عليه وسلم -: "ومن لم يستطع فعليه بالصوم"، قال: فلما كان الصوم الذي هو بدله ليس بواجب فمبدله مثله.
وتعقّب بأن الأمر بالصوم مرتّبٌ على عدم الاستطاعة، ولا استحالة أن يقول القائل أوجبت عليك كذا، فإن لم تستطع فأَندُبُك إلى كذا، والمشهور عن أحمد أنه لا يجب للقادر التائق إلا إذا خشي العَنَتَ، وعلى هذه الرواية اقتصر ابن هُبيرة.
وقال المازريّ: الذي نطق به مذهب مالك أنه مندوب، وقد يجب عندنا في حقّ من لا ينكفّ عن الزنا إلا به. وقال القرطبيّ. المستطيع الذي يخاف الضرر على نفسه، ودينه من العزوبة بحيث لا يرتفع عنه ذلك إلا بالتزويج لا يختلف في وجوب التزويج عليه. ونبّه ابن الرفعة على صورة يجب فيها، وهي ما إذا نذره حيث كان مستحبًّا.
وقال ابن دقيق العيد: قسم بعض الفقهاء النكاح إلى الأحكام الخمسة، وجعل الوجوب فيما إذا خاف العنت، وقَدَر على النكاح، وتعذّر التسرّي. وكذا حكاه القرطبيّ عن بعض علمائهم، وهو المازريّ قال: فالوجوب في حقّ من لا ينكفّ عن الزنا إلا به، كما تقدّم. قال: والتحريم في حقّ من يُخلّ بالزوجة في الوطء والإنفاق مع عدم قدرته عليه، وتوقانه إليه. والكراهة في حقّ مثل هذا حيث لا إضرار بالزوجة، فإن انقطع بذلك عن شيء من أفعال الطاعة، من عبادة، أو اشتغال بالعلم اشتدّت الكراهة. وقيل: الكراهة فيما إذا كان ذلك في حال العزوبة أجمع منه في حال التزويج. والاستحباب فيما إذا حصل به معنى مقصود من كسر شهوة، وإعفاف نفس، وتحصين فرج، ونحو ذلك. والإباحة فيما انتفت الدواعي والموانع.
ومنهم من استمرّ بدعوى الاستحباب فيمن هذه صفته؛ للظواهر الواردة في الترغيب فيه. قال عياضٌ: هو مندوبٌ في حقّ كلّ من في يرجى منه النسل، ولو لم يكن له في الوطء شهوة؛ لقوله - صلى اللَّه عليه وسلم -: "فإني مكاثرٌ بكم"، ولظواهر الحضّ على النكاح، والأمر به،

الصفحة 26