كتاب ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (اسم الجزء: 27)

وكذا في حقّ من له رغبة في نوع من الاستمتاع بالنساء غير الوطء، فأما من لا يُنسل، ولا أرب له في النساء، ولا في الاستمتاع فهذا مباحٌ في حقّه إذا علمت المرأة بذلك، ورضيت. وقد يقال: إنه مندوب أيضًا؛ لعموم قوله: "لا رهبانية في الإسلام".
وقال الغزاليّ في "الإحياء": من اجتمعت له فوائد النكاح، وانتفت عنه آفاته، فالمستحب في حقّه التزويج، ومن لا فالترك له أفضل، ومن تعارض الأمر في حقّه فليجتهد، ويعمل بالراجح انتهى.
قال الحافظ: الأحاديث الواردة في ذلك كثيرةٌ، فأما حديث: "فإني مكاثر بكم" فصحّ من حديث أنس بلفظ: "تزوّجوا الودود الولود، فإني مكاثر بكم يوم القيامة".
أخرجه ابن حبّان، وذكره الشافعيّ بلاغًا عن ابن عمر بلفظ: "تناكحوا، تكاثروا، فإني أباهي بكم الأمم". وللبيهقي من حديث أبي أمامة: "تزوّجوا، فإني مكاثرٌ بكم الأمم، ولا تكونوا كرهبانية النصارى".
وورد: "فإني مكاثرٌ بكم" أيضًا من حديث الصنابحيّ، وابن الأعسر (¬1)، ومعقل بن يسار، وسهل بن حُنيف، وحرملة بن النعمان، وعائشة، وعياض بن غنم، ومعاوية بن حيدة، وغيرهم.
وأما حديث: "لا رهبانية في الإسلام" فلم أره بهذا اللفظ، لكن في حديث سعد بن أبي وقّاص عند الطبرانيّ: "إن اللَّه أبدلنا بالرهبانية الحنيفية السمحة". وعن ابن عباس رفعه: "لا صرورة في الإسلام". أخرجه أحمد، وأبو داود، وصححه الحاكم. وفي الباب حديث النهي عن التبتّل، وسيأتي في الباب التالي، وحديث عائشة، رفعته: "النكاح سنتي، فمن لم يعمل بسنتي فليس منّي، وتزوّجوا فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة، ومن كان ذا طول فلينكح، ومن لم يجد فعليه بالصيام، فإن الصوم له وجاء". رواه ابن ماجه، وهو صحيح بشواهده (¬2). وحديث "من كان موسرًا، فلم يَنكِح فليس منّا". أخرجه الدارميّ، والبيهقيّ من حديث ابن أبي نَجِيح، وجزم بأنه مرسل. وقد أورده البغويّ في "معجم الصحابة"، وحديث طاوس: "قال عمر بن الخطاب لأبي الزوائد: إنما يمنعك من التزويج عجزٌ، أو فُجور". أخرجه ابن أبي شيبة وغيره. وأخرج الحاكم من حديث أنس - رضي اللَّه عنه - رفعه: "من رزقه اللَّه امرأة صالحة، فقد أعانه على شطر دينه، فليتّق اللَّه في الشطر الثاني".
قال الحافظ: وهذه الأحاديث وإن كان في الكثير منها ضعف، فمجموعها يدلّ على
¬__________
(¬1) - هكذا نسخة "الفتح" ولعل الصواب "والصنابح بن الأعسر". فليُحرّر.
(¬2) راجع "السلسلة الصحيحة" للشيخ الألباني رقم 2383.

الصفحة 27