كتاب ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (اسم الجزء: 27)

أنّ لِمَا يحصل به المقصود من الترغيب في التزويج أصلاً، لكن في حقّ من يتأتّى منه النسل، كما تقدّم انتهى كلام الحافظ ببعض تصرّف (¬1).
قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: قد تبيّن بما سبق من الأدلّة أن أرجح الأقوال قول من قال بوجوب النكاح لمن استطاع عليه، وتاقت إليه نفسه، وخاف العنت؛ عملاً بظاهر الأمر الذي في حديث الباب، ومن عداه فيستحبّ له؛ عملاً بالأحاديث المذكورة. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
[تنبيه]: قال الحافظ وليّ الدين -رحمه اللَّه تعالى-: لم يقل أحد بوجوبه على النساء، وقد صرّح بذلك ابن حزم، فقال: وليس ذلك فرضا على النساء؛ لقوله تعالى: {وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا} الآية [النور: 60]. قال أبو إسحاق الشيرازيّ، صاحب "التنبيه": إن النكاح للنساء مستحبٌ عند الحاجة، ومكروه عند عدمها. وقال الشيخ عماد الدين الزنجانيّ في "شرح الوجيز" المسمّى بـ"الموجز": لم يتعرّض الأصحاب للنساء، والذي يغلب على الظنّ أن النكاح في حقّهنّ أولى مطلقًا؛ لأنهنّ يحتجن إلى القيام بأمورهنّ، والتستّر عن الرجال، ولم يتحقّق في حقهنّ الضرر الناشئ من النفقة انتهى (¬2).
قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: هذا الذي قاله الزنجانيّ -رحمه اللَّه تعالى- حسنٌ جدًّا، وأما قول الشيرازي بالكراهة عند عدم الحاجة فلا يؤيّده دليل. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا ونعم الوكيل.
3209 - (أَخْبَرَنِي هَارُونُ بْنُ إِسْحَاقَ الْهَمْدَانِيُّ الْكُوفِيُّ, قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُحَارِبِيُّ, عَنِ الأَعْمَشِ, عَنْ إِبْرَاهِيمَ, عَنْ عَلْقَمَةَ, وَالأَسْوَدِ, عَنْ عَبْدِ اللَّهِ, قَالَ: قَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى اللَّه عليه وسلم -: «مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ الْبَاءَةَ, فَلْيَتَزَوَّجْ, وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ, فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ».
قَالَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ: الأَسْوَدُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ لَيْسَ بِمَحْفُوظٍ).
قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: رجال هذا الإسناد رجال الصحيح غير شيخه "هارون ابن إسحاق": وهو أبو القاسم الكوفيّ، صدوق، من صغار [10] 13/ 346. فإنه من رجال الأربعة. و"عبد الرحمن بن محمد المحاربيّ": هو أبو محمد الكوفيّ، لا بأس به، وكان يدلّس [9] 43/ 2224. و"إبراهيم" هو ابن يزيد النخعي. و"علقمة". هو ابن قيس النخعي. و"الأسود": هو ابن يزيد النخعي. و"عبد اللَّه" هو ابن مسعود - رضي اللَّه عنه -.
¬__________
(¬1) - "فتح" 10/ 138 - 139.
(¬2) - "طرح التثريب" 7/ 6.

الصفحة 28