كتاب ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (اسم الجزء: 27)

"النكاح" 2061 (ق) في "النكاح" 1943. واللَّه تعالى أعلم.
(المسألة الثالثة): في فوائده:
(منها): ما ترجم له المصنّف -رحمه اللَّه تعالى-، وهو بيان حكم رضاع الكبير، وظاهر تبويبه أنه يرى جوازه، وقد اختلف فيه العلماء كما سيأتي بيانه في المسألة التالية، إن شاء اللَّه تعالى. (ومنها): سهولة الشريعة، وسماحتها حيث سهّلت في محلّ الحاجة، فأجازت إرضاع المرأة من له صلة بها، إذا اضطرّت إلى ذلك. (ومنها): أن من أشكل عليه حكم من الأحكام الشرعية عليه أن يسأل العلماء، سواء كان ذكرًا، أم أنثى. (ومنها): أن التبنّي كان جائزًا، ثم نسخ. (ومنها)؛ أنه يجوز لمن لم يبلغ مبلغ الرجال من الصغار أن يدخلوا على النساء الأجنبيّات. (ومنها): جواز الإرشاد إلى الحيل المشروعة. (ومنها): ما قاله ابن الرفعة: يؤخذ منه جواز تعاطي ما يُحصّل الحِلَّ في المستقبل، وإن كان ليس حلالًا في الحال (¬1). (ومنها): ما كان عليه أبو حذيفة من الغيرة، فيما لم يأذن به الشرع، وانقياده للحقّ بعد الرضاع، وهكذا ينبغي لكلّ مسلم أن يكون غيورًا على حُرَمه، فإذا كان هناك تسهيلٌ من الشارع انقاد له. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة الرابعة): في اختلاف أهل العلم في حكم رضاع الكبير:
ذهبت طائفة إلى أن إرضاع الكبير يثبت به التحريم، وممن قاله به عليّ بن أبي طالب، كما حكاه عنه ابن حزم، وأما ابن عبد البرّ، فأنكر الرواية عنه في ذلك، وقال: لا يصحّ. وعائشة، وعروة بن الزبير، وعطاء بن أبي رباح، والليث بن سعد، وابن عُلية، وحكاه النوويّ عن داود الظاهريّ، وإليه ذهب ابن حزم، ويؤيّد ذلك الإطلاقات القرآنيّة، كقوله تعالى: {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ} [النساء: 23]، وهو ظاهر مذهب المصنّف كما قررناه في المسألة السابقة.
وذهب الجمهور إلى أن حكم الرضاع إنما يثبت في الصغير، وأجابوا عن قصّة سالم بأجوبة:
(منها): أنه حكم منسوخٌ، وبه جزم المحبّ الطبريّ في "أحكامه"، وقرّره بعضهم بأن قصّة سالم كانت في أوائل الهجرة، والأحاديث الدالّة على اعتبار الحولين من رواية أحداث الصحابة، دلّ على تأخّرها. وهو مستندٌ ضعيفٌ؛ إذ لا يلزم من تأخّر إسلام الراوي، ولا صغره أن لا يكون ما رواه متقدّمًا. وأيضًا ففي سياق قصّة سالم ما يُشعر
¬__________
(¬1) راجع "الفتح" 10/ 187.

الصفحة 331