كتاب ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (اسم الجزء: 27)

الآية، مبالغة في الزجر عن ذلك، فهذا الرجل سلك مسلكهم في عدّ ذلك حلالًا، فصار مرتدًّا، فقتل لذلك. وهكذا أول الحديث من لا يقول بظاهره، والظاهر أن الأخذ بظاهر الحديث، وإن لم يستحلّ هو الحقّ، كما هو مذهب أحمد، وإسحاق ابن راهويه، وسيأتي تحقيق القول في ذلك في المسألة الرابعة، إن شاء اللَّه تعالى.
[تنبيه]: هذه الرواية صريحةٌ في كون ذلك الرجل تزوّج امرأة أبيه عقدًا، فتأويل بعضهم بحمله على الوطء بلا عقد باطل. قال الخطابيّ -رحمه اللَّه تعالى- بعد ذكره هذا القول: وهذا تأويلٌ فاسد، قال: ومن ادعى أن هذا النكاح شبهةٌ، فأسقط من أجلها الحدّ، فقد أبعد؛ لأن الشبهة إنما تكون في أمر يشبه الحلال من بعض الوجوه، وذوات المحرم لا تحلّ بوجه من الوجوه، ولا في حال من الأحوال، وإنما هو زنا محضٌ، وإن لُقب بالنكاح، كمن استأجر أمةً، فزنى بها، فهو زنا، وإن لُقّب باسم الإجارة، ولم يكن مسقطًا عنه الحدّ، وإن كانت المنافع قد تستباح بالإجارات.
وزعم بعضهم أن النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - إنما أمر بقتله لاستحلاله نكاح امرأة أبيه، وكان ذلك مذهب أهل الجاهليّة، كان الرجل منهم يرى أنه أولى بامرأة أبيه من الأجنبيّ، فيرثها كما يرث ماله، وفاعل هذا على الاستباحة له مرتدّ عن الدين، فكان هذا جزاؤه القتل لردّته.
قال الخطّابيّ: وهذا تأويلٌ فاسد، ولو جاز أن يُتأول ذلك في قتله لجاز أن يُتأوّل مثله في رجم من رجمه النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - من الزناة، فيقال: إنما قتله بالرجم لاستحلاله الزنا، وقد كان أهل الجاهليّة يستحلّون الزنا، فلا يجب على من زنى الرجم حتى يعتقد هذا الرأي، وهذا ما لا خفاء بفساده، وإنما أمر - صلى اللَّه عليه وسلم - بقتله لزنائه، ولتخطّيه الحرمة في أمه (¬1).
وقد أوجب بعض الأئمة تغليظ الدية على من قتل ذات محرم، وكذلك أوجبوا على من قتل في الحرم، فألزموه دية وثلثًا، وهو قول عثمان بن عفّان - رضي اللَّه عنه -، وروي عن عليّ ابن أبي طالب - رضي اللَّه عنه -: أنه أُتِيَ بشارب في رمضان، فضربه حدّ السكر، وزاده عشرين"، لارتكابه ما حرّم اللَّه عليه في ذلك الشهر انتهى (¬2).
(مِنْ بَعْدِهِ) أي بعد موته (أَنْ أَضْرِبَ عُنُقَهُ، أَوْ أَقتُلَهُ) "أو" للشكّ من الراوي. وفي رواية الترمذيّ: "بعثني أن آتيه برأسه". وزاد في الرواية التالية: "وآخذ ماله". وفيه أخذ مال من فعل ذلك بعد قتله. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.
¬__________
(¬1) كذا في الأصل، ولعلها: "في امرأة أبيه التي هي مثل أمه".
(¬2) "معالم السنن" 6/ 267 - 269.

الصفحة 372