كتاب ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (اسم الجزء: 27)

ذوات الأزواج، فإنهنّ حرام على غير أزواجهنّ، إلا ما ملكتم بالسبي، فإنه ينفسخ نكاح أزواجهن الكفار، وتحلّ لكم، إذا انقضى استبراؤها.
قال أبو عبد اللَّه القرطبيّ -رحمه اللَّه تعالى- في "تفسيره": والتحصّن التمنّع، ومنه الحِصن؛ لأنه يُمتنع فيه، ومنه قوله تعالى: {وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ}، أي لتمنعكم، ومنه الحِصان للفرس -بكسر الحاء- لأنه يمنع صاحبه من الهلاك، والْحَصَان -بفتح الحاء- المرأة العفيفة لمنعها نفسها من الهلاك، وحَصُنت المرأةُ تَحصُنُ، فهي حَصَانٌ، مثلُ جبُنت فهي جَبَان، وقال حسّان في عائشة - رضي اللَّه تعالى عنهما -[من الطويل]:
حَصَانٌ رَزَازَنٌ ما تُزَنُّ بِريبةٍ ... وَتُصْبِحُ غَرْثَى من لُحُومِ الْغَوَافِلِ
والمصدر الْحَصَانة -بفتح الحاء- والحِصن كالعلم. انتهى (¬1).
وقال السمين الحلبيّ -رحمه اللَّه تعالى- في "تفسيره": قرأ الجمهور هذه اللفظة، سواء كانت معرّفةً بـ"أل"، أم نكرةً بفتح الصاد، والكسائيّ بكسرها في جميع القرآن، إلا قوله: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ} فإنه وافق الجمهور، فأما الفتح، ففيه وجهان:
أشهرهما أنه أُسند الإحصان إلى غيرهنّ، وهو إما الأزواج، أو الألياء، فإن الزوج يُحصن امرأته، أي يُعفّها، والوليّ يُحصنها بالتزويج، واللَّه يُحصنها بذلك.
والثاني: أن هذا المفتوح الصاد بمنزلة المكسور، يعني أنه اسم فاعل، وإنما شذّ فتح عين اسم الفاعل في ثلاثة ألفاظ: أحصَنَ، فهو مُحصَن، وألفج، فهو مُلْفَج (¬2)، وأسهَبَ، فهو مُسْهَب.
وأما الكسر، فإنه أسند الإحصان إليهنّ؛ لأنهن يُحصِنّ أنفسهن بعفافهنّ، أو يُحصِنّ فروجهنّ بالحفظ، أو يُحصنّ أزواجهنّ.
وقد ورد الإحصان في القرآن لأربعة معان: الأول: التزوج، كما في هذه الآية، وكما في قوله تعالى: {مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ}. الثاني: الحرّيّة، كما في قوله تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا} الآية. الثالث: الإسلام، كما في قوله تعالى؛ {فَإِذَا أُحْصِنَّ} قيل في تفسيره: أسلمن. الرابع: العفة، كما في قوله تعالى: {مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ}. انتهى (¬3).
({مِنَ النِّسَاءِ}) في محلّ نصب على الحال ({إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ}) قال السيمن
¬__________
(¬1) "الجامع لأحكام القرآن" 5/ 120.
(¬2) يقال: ألفج، فهو ملفَجٌ بفتح اللام: إذا أفلَسَ. "ق".
(¬3) "الدر المصون في علم الكتاب المكنون" 2/ 344. بزيادة من حاشية الجمل 1/ 371.

الصفحة 379