كتاب ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (اسم الجزء: 27)

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: هذا الذي قاله القرطبيّ -رحمه اللَّه تعالى- حسنٌ جدًّا. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة الرابعة): في اختلاف أهل العلم، هل يُشترط في الشغار ما اقتضاه ظاهر الحديث من مراعاة الوصفين المذكورين، أم لا؟:
(اعلم): أنهم اختلفوا هل يُعتبر في الشغار الممنوع ظاهر الحديث في تفسيره، فإن فيه وصفين: أحدهما: تزويج كلّ من الوليين وليّته للآخر بشرط أن يُزوّجه وليّته.
والثاني: خلوّ بُضع كلّ منهما من الصداق، فمنهم من اعتبرهما معًا، حتى لا يمنع مثلًا إذا زوّج كلّ منهما الآخر بغير شرط، وإن لم يذكر الصداق، أو زوّج كلّ منهما الآخر بالشرط، وذكر الصداق.
وذهب أكثر الشافعيّة إلى أن علّة النهي الاشتراك في البضع؛ لأن بضع كلّ منهما يصير مورد العقد، وجعل البضع صداقًا مخالفٌ لإيراد عقد النكاح، وليس المقتضي للبطلان ترك ذكر الصداق؛ لأن النكاح يصحّ بدون تسمية الصداق. واختلفوا فيما إذا لم يصرّحا بذكر البضع، فالأصحّ عندهم الصحّة، ولكن وُجد نصّ الشافعيّ على خلافه، ولفظه: إذا زوّج الرجل ابنته، أو المرأة يلي أمرها، من كانت لآخر على أن صداق كلّ واحدة بضع الأخرى، أو على أن يُنكحه الأخرى، ولم يُسمّ أحدٌ منهما لواحدة منهما صداقًا، فهذا الشغار الذي نهى عنه رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -، وهو منسوخٌ. هكذا ساقه البيهقيّ بإسناده الصحيح عن الشافعيّ. قال: وهو الموافق للتفسير المنقول في الحديث. واختَلَف نصّ الشافعيّ فيما إذا سمّى مع ذلك مهرًا، فنصّ في "الإملاء" على البطلان، وظاهر نصّه في "المختصر" الصّحّة، وعلى ذلك اقتصر في النقل عن الشافعيّ من ينقل الخلاف من أهل المذاهب.
وقال القفّال: العلّة في البطلان التعليق، والتوقيف، فكأنه يقول: لا ينعقد نكاح بنتي حتى ينعقد لي نكاح بنتك. وقال الخطّابيّ: كان ابن أبي هريرة يشبّهه برجل تزوّج امرأة، واستثنى عضوًا من أعضائها، وهو مما لا خلاف في فساده. وتقرير ذلك أنه يزوّج وليّته، ويستثني بُضعها حيث يجعله صداقًا للأخرى. وقال الغزاليّ في "الوسيط": صورته الكاملة أن يقول: زوّجتك ابنتي على أن تزوّجني ابنتك، على أن يكون بُضع كلّ واحدة منهما صداقًا للأخرى، ومهما انعقد نكاح ابنتي انعقد نكاح ابنتك. قال الحافظ العراقيّ في "شرح الترمذيّ" ينبغي أن يُزاد: ولا يكون مع البضع شيء آخر، ليكون متّفقًا على تحريمه في المذهب.
ونقل الخِرَقيّ أن أحمد نصّ على أن علّة البطلان ترك ذكر المهر، ورجّح ابن تيميّة

الصفحة 394