كتاب ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (اسم الجزء: 27)

وتكثير النسل.
وقوله (فَلَيْسَ مِنِّي) إن كانت الرغبة بضرب من التأويل، يُعذر صاحبه فيه، فمعنى "فليس مني" أي على طريقتي، ولا يلزم أن يخرج عن الملّة، وإن كان إعراضًا، وتنطّعًا، يُفضي أرجحية عمله، فمعنى "فليس مني": على ملّتي؛ لأن اعتقاد ذلك نوعٌ من الكفر. قاله في "الفتح" (¬1). واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.
مسائل تتعلّق بهذا الحديث:
(المسألة الأولى): في درجته:
حديث أنس - رضي اللَّه تعالى عنه - هذا متّفقٌ عليه.
(المسألة الثانية): في بيان مواضع ذكر المصنف له، وفيمن أخرجه معه:
أخرجه هنا- 4/ 3218 - وفي "الكبرى" 4/ 5324. وأخرجه (خ) في "النكاح" 5063 (م) في "النكاح" 1401 (أحمد) في "باقي مسند المكثرين" 13122 و 13316 و 13631. واللَّه تعالى أعلم.
(المسألة الثالثة): في فوائده:
(منها): ما ترجم له المصنّف -رحمه اللَّه تعالى-، وهو بيان النهي عن التبتّل. (ومنها): أن فيه دلالةً على فضل النكاح، والترغيب فيه. (ومنها): ما كان عليه الصحابة - رضي اللَّه عنهم - من الحرص على التأسّي بالنبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -، بحيث إنهم يبحثون عما يعمل به إذا خلا في بيته، حتى لا يفوتهم الاتباع به في سنته التي يعمل بها في حال خلوته عنهم. (ومنها): أن فيه تتبّع أحوال الأكابر للتأسّي بأفعالهم، وأنه إذا تعذّرت معرفته من الرجال جاز استكشافه من النساء. (ومنها): أن من عزم على عمل برّ، واحتاج إلى إظهاره حيث يأمن الرياء لم يكن ذلك ممنوعًا. (ومنها): تقديم الحمد، والثناء على اللَّه تعالى عند إلقاء مسائل العلم، وبيان الأحكام للمكلّفين، وإزالة الشبهة عن المجتهدين. (ومنها): أن المباحات قد تنقلب بالقصد إلى الكراهة، والاستحباب. (ومنها): ما قاله الطبريّ: إن فيه الردّ على من منع استعمال الحلال من الأطعمة والملابس، وآثر غليظ الثياب، وخشن المأكل. قال عياض: هذا مما اختلف فيه السلف، فمنهم من نحا إلى ما قاله الطبريّ، ومنهم من عكس، واحتجّ بقوله تعالى: {أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا} الآية: [الأحقاف: 20]، قال: والحقّ أن هذه الآية في الكفّار، وقد أخذ النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - بالأمرين.
¬__________
(¬1) - "فتح" 10/ 131 - 132.

الصفحة 47