كتاب ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (اسم الجزء: 27)

قال الحافظ: لا يدلّ ذلك لأحد الفريقين، إن كان المراد المداومة على إحدى الصفتين، والحقّ أن ملازمة استعمال الطيّبات تُفضي إلى الترفّه، والبطر، ولا يأمن من الوقوع في الشبهات؛ لأن من اعتاد ذلك قد لا يجده أحيانًا، فلا يستطيع الانتقال عنه، فيقع في المحظور، كما أن منع تناول ذلك أحيانًا يفضي إلى التنطّع المنهيّ عنه، ويردّ عليه صريح قوله تعالى: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ} الآية [الأعراف: 32]. كما أن الأخذ بالتشديد في العبادة يفضي إلى الملل القاطع لأصلها، وملازمة الاقتصار على الفرائض مثلاً، وترك التنفّل يفضي إلى إيثار البطالة، وعدم النشاط إلى العبادة، وخير الأمور الوسط، وفي قوله: "إني لأخشاكم للَّه" مع ما انضمّ إليه إشارة إلى ذلك انتهى.
(ومنها): أن فيه إشارةٌ إلى أن العلم باللَّه، ومعرفة ما يجب من حقّه أعظم قدرًا من مجرّد العبادة البدنيّة. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
"إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت، وما توفيقي إلا باللَّه، عليه توكلت، وإليه أنيب".
...

5 - (بَابُ مَعُونَةِ اللَّه النَّاكِحَ الَّذِي يُرِيدُ الْعَفَافَ)
قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: "الْمَعُونة" -بفتح الميم، وضمّ العين- بوزن مَفْعُلَة-بضم العين أيضًا، وبعضهم يجعل الميم أصليّةً، ويقول: هي مأخوذةٌ من الماعون، ويقول: في فَعُولَة، ويقال فيها: "الْمَعَانة بالفتح أيضًا: اسم من العَوْن، وهو -بفتح، فسكون-: الظَّهير على الأمر، وجمعه أعوان، واستعان به، فأعانه، وقد يتعدّى بنفسه، فيقال: استعانه. أفاده في "المصباح المنير". واللَّه تعالى أعلم بالصواب.
3219 - (أَخْبَرَنَا قُتَيْبَةُ, قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ, عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلاَنَ, عَنْ سَعِيدٍ, عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ, أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى اللَّه عليه وسلم -, قَالَ: «ثَلاَثَةٌ حَقٌّ عَلَى اللَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ- عَوْنُهُمُ: الْمُكَاتَبُ الَّذِي يُرِيدُ الأَدَاءَ, وَالنَّاكِحُ الَّذِي يُرِيدُ الْعَفَافَ, وَالْمُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللهِ»).
قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: هذا الحديث حسنٌ، وقد تقدّم للمصنّف في "كتاب الجهاد" برقم -12/ 3121 - ، رواه هناك عن محمد بن عبد اللَّه بن يزيد، عن أبيه، عن

الصفحة 48