كتاب ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (اسم الجزء: 27)

(قُلْتُ: نَعَمْ) أي تزوّجتُ (قَالَ) - صلى اللَّه عليه وسلم - (بِكْرًا أَمْ ثَيِّبًا؟) منصوب بفعل محذوف، تقديره: أتزوّجت بكرًا؟، وكذا قوله (فَقُلْتُ: ثَيِّبًا) أي تزوّجتُ ثيّبًا.
و"البكر": خلاف الثيّب، رجلاً كان امرأةً، وهو الذي لم يتزوّج، وجمعه أبكار، مثلُ حِمْلٍ وأحمال.
و"الثيب": المتزوّج، فَيعِلٌ، اسم فاعل من ثاب: إذا رجع، ومنه قيل للمكان الذي يَرجع إليه الناس مَثَابةٌ. وقيل للإنسان إذا تزوّج ثَيّبٌ، وإطلاقه على المرأة أكثر؛ لأنها ترجع إلى أهلها بوجه غير الأول، ويستوي في الثّيّب الذكر والأنثى، كما يقال: أَيّمٌ، وبِكْرٌ، وجمع المذكّر ثَيّبون بالواو والنون، وجمع المؤنّث ثَيبات، والمولّدون يقولون: ثُيَّب، وهو غير مسموع، وأيضًا فَفَيعِلٌ لا يُجمع على فُعَّلٍ. أفاده الفيّوميّ.
وقال وليّ الدين: البكر هي الجارية الباقية على حالتها الأولى، والثيّب المرأة التي دخل بها الزوج، وكأنها ثابت إلى حال كبار النساء غالبًا انتهى (¬1).
(قَالَ) - صلى اللَّه عليه وسلم - (فَهَلَّا) -بفتح الهاء، وتشديد للام- أداة تحضيض، ولا يليها إلا الفعل غالبًا، نحو هَلاّ أكرمتَ زيدًا، وقد يليها اسم معمول لفعل محذوف، كقول الشاعر:
هَلَّا التَّقَدُمُ وَالْقَلُوبُ صِحَاحُ
أي هلاً وُجِد التقدّم، وكقوله هنا (بِكْرًا) أي هلّا تزوّجتَ بكرًا. وفي رواية للبخاريّ: "أفلا جارية". وفي رواية له من طريق محارب بن دثار، عن جابر: "ما لك وللعَذَاري ولِعابها". و"العذاري" -بفتح الراء، وكسرها- جمع عذراء، وهي البكر. وقوله (تُلَاعِبُهَا، وَتُلَاعِبُكَ) من الملاعبة، تعليلٌ للترغيب في البكر، سواء كانت الجملة مستأنفةٌ، كما هو الظاهر، أو صفة لـ"بكر"، أي ليكون بينكما كمال التألف والتأنس؛ فإن الثيب قد تكون متعلّقة القلب بالسابق.
وزاد في رواية عند البخاريّ في "النفقات": "وتضاحكها، وتضاحكك". قال في "الفتح": وهو مما يؤيّد أنه من اللعب. ووقع عند الطبراني من حديث كعب بن عُجرة - رضي اللَّه عنه -: "أن النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - قال لرجل ... " فذكر نحو حديث جابر - رضي اللَّه عنه -، وقال فيه: "وتَعَضّها، وتعضّك".
وفي رواية: "تداعبها وتداعبك" بالدال المهملة بدل اللام، من المداعبة، وهو المزح.
ووقع في رواية لأبي عُبيدة: "تُذاعبها، وتُذاعبك" -بالذال المعجمة بدل اللام.
¬__________
(¬1) - "طرح التثريب" 7/ 10.

الصفحة 51