كتاب ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (اسم الجزء: 27)

وأما ما وقع في رواية محارب المتقدّمة بلفظ: "ما لك وللعَذَارَى ولِعَابها"، فقد ضبطه الأكثر بكسر اللام، وهو مصدر من الملاعبة أيضًا، يقال: لاعب لِعابًا وملاعبةً، مثل قاتل قتالاً ومقاتلةً. ووقع في رواية المستملي بضمّ اللام، والمراد به الريق، وفيه إشارةٌ إلى مصّ لسانها، ورَشف شفتيها، وذلك يقع عند الملاعبة والتقبيل، وليس هو ببعيد، كما قال القرطبيّ (¬1). ويؤيّد أنه بمعنى آخر غير المعنى الأول قول شعبة: إنه عرَضَ ذلك على عمرو بن دينار، فقال: اللفظ الموافق للجماعة (¬2). وفي رواية لمسلم التلويح بإنكار عمرو رواية مُحارب بهذا اللفظ، ولفظه: "إنما قال جابرٌ: تلاعبها وتلاعبك"، فلو كانت الروايتان متحدتين في المعنى لما أنكر عمرو ذلك؛ لأنه كان ممن يُجيز الرواية بالمعنى.
وفي رواية عطاء الآتية- 10/ 3227 - من الزيادة: "قال: قلت: يا رسول اللَّه، كنّ لي أخوات، فخشيتُ أن تدخل بيني وبينهنّ، قال: فذاك إذًا، إن المرأة تُنكح على دينها، ومالها، وجمالها، فعليك بذات الدين تربت يداك".
وفي رواية للبخاريّ: "قلت: كُنّ لي أخوات، فأحببتُ أن أتزوّج امراةً تجمعهنّ، وتَمشُطُهنّ، وتقوم عليهنّ"، أي وتقوم في غير ذلك من مصالحهنّ، وهو من العامّ بعد الخاصّ. وفي رواية له في "النفقات": "هلك أبي، وترك سبع بنات -أو تسع بنات- فتزوّجت ثيّبًا، كرهتُ أن أُجيئهنّ بمثلهنّ، فقال: بارك اللَّه لك"، أو قال: خيرًا. وفي رواية له في "المغازي": "وترك تسع بنات، كنّ لي تسع أخوات، فكرهتُ أن أجمع إليهنّ جاريةٌ خرقاء مثلهنّ، ولكن امرأة تقوم عليهنّ، وتمشُطهنّ، قال: أصبت". وفي رواية: "فأردتُ أن أنكح امرأة قد جرّبت خلا منها، قال: فذاك".
قال الحافظ وليّ -رحمه اللَّه تعالى-: هذه الرواية التي فيها الجزم بأن أخواته كنّ تسعًا مقدّمة على رواية حماد بن زيد التي فيها التردّد بين التسع والسبع، فإن من حفظ حجة على من لم يحفظ انتهى (¬3).
¬__________
(¬1) - أي كما ادعى القرطبيّ كونه بعيدًا، وعبارته في "المفهم" 4/ 215 - : وقد رواه أبو ذرّ من طريق المستملي: "لُعابها" بالضم -يعني به ريقها عند التقبيل، وفيه بعد، والصواب الأول انتهى.
(¬2) - ورواية شعبة هذه ساقها البخاريّ في "صحيحه"، ولفظه:
- حدثنا آدم، حدثنا شعبة، حدثنا محارب، قال: سمعت جابر بن عبد اللَّه - رضي اللَّه عنهما - يقول: تزوجتُ، فقال لي رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -: "ما تزوجتَ؟ فقلت: تزوجت ثيبا، فقال: "ما لك وللعذارى ولعابها"، فذكرت ذلك لعمرو بن دينار، فقال عمرو: سمعت جابر بن عبد اللَّه يقول: قال لي رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -: "هَلّا جاريةٌ تلاعبها وتلاعبك؟ ".
(¬3) - "طرح التثريب" 7/ 12."كتاب النكاح".

الصفحة 52