كتاب ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (اسم الجزء: 28)

- رضي اللَّه عنه -، رفعه: "أربعة يؤتون أجرهم مرّتين"، فذكر الثلاثة المذكورين هنا، وزاد أزواج النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -. وصحّ أيضًا حديث: "والذي يقرأ القرآن، ويتتعتع فيه، وهو شاقّ عليه، فله أجران". وحديث زينب امرأة ابن مسعود - رضي اللَّه تعالى عنهما - في التي تتصدّق على قريبها: "لها أجران، أجر الصدقة، وأجر الصلة". وحديث عمرو بن العاص - رضي اللَّه عنه - في الحاكم إذا أصاب، له أجران. وحديث جرير: "من سنّ سنّة حسنةً". وحديث أبي هريرة - رضي اللَّه عنه -: "من دعا إلى هدى". وحديث أبي مسعود: "من دلّ على خير"، والثلاثة بمعنى، وهنّ في "الصحيحين". وحديث أبي سعيد في الذي تيمّم، ثم وجد الماء، فأعاد الصلاة، فقال له النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -: "لك الأجر مرّتين". أخرجه أبو داود. قال الحافظ -رحمه اللَّه تعالى-: وقد يحصل بمزيد التتبّع أكثر من ذلك، وكلّ هذا دالّ على أن لا مفهوم للعدد المذكور في حديث أبي موسى - رضي اللَّه عنه - انتهى (¬1). واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة السادسة): قال في "الفتح": قال أبو عبد الملك البونيّ وغيره: إن الحديث لا يتناول اليهوديّة البتّة، وليس بمستقيم كما قرّرناه. وقال الداوديّ، ومن تبعه: إنه يحتمل أن يتناول جميع الأمم فيما فعلوه من خير، كما في حديث حكيم بن حزام: "أسلمتَ على ما أسلفتَ من خير".
وهو متعقّبٌ؛ لأن الحديث مقيّدٌ بأهل الكتاب، فلا يتناول غيرهم، إلا بقياس الخير على الإيمان، وأيضًا فالنكتة في قوله: "آمن بنبيّه" الإشعار بعليّة الأجر، أي أن سبب الأجرين الإيمان بالنبيَّينِ، والكفّار ليسوا كذلك.
ويمكن أن يقال: الفرق بين أهل الكتاب وغيرهم من الكفار أن أهل الكتاب يعرفون محمدًا - صلى اللَّه عليه وسلم -، كما قال اللَّه تعالى: {يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ} الآية [الأعراب: 157]. فمن آمن به، واتّبعه منهم كان له فضلٌ على غيره، وكذا من كذّبه منهم كان وزره أشدّ من وزر غيره.
وقد ورد مثلُ ذلك في حقّ نساء النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - لكون الوحي كان ينزل في بيوتهنّ. فإن قيل: فلِمَ لم يُذْكَرُوا في هذا الحديث، فيكون العدد أربعةً؟.
قال الحافظ: أجاب شيخنا شيخ الإسلام -يعني البلقينيّ- عن ذلك بأن قضيّتهنّ خاصة بهنّ مقصورةٌ عليهنّ، والثلاثة المذكورة في الحديث مستمرّة إلى يوم القيامة.
قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: هكذا ذكر الحافظ، لكن تقدّم قريبًا أن في رواية
¬__________
(¬1) "فتح" 10/ 158 - 159. "كتاب النكاح" رقم 5083.

الصفحة 20