كتاب ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (اسم الجزء: 28)

يتزوّجوا غيرهنّ من النساء بأيّ مهر توافقوا عليه. قال في "الفتح": وتأويل عائشة هذا جاء عن ابن عبّاس مثله، أخرجه الطبريّ. وعن مجاهد في مناسبة ترتّب قوله: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} على قوله: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى} شيء آخر، قال في معنى قوله تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا} أي إذا كنتم تخافون أن لا تعدلوا في مال اليتامى، فتحرّجتم أن لا تَلُوها، فتحرّجوا من الزنا، وانكحوا ما طاب لكم من النساء، وعلى تأويل عائشة يكون المعنى: وإن خفتم أن لا تُقسطوا في نكاح اليتامى انتهى (¬1).
وقال الخطّابيّ: وتأويل الآية، وبيان معناها: أن اللَّه تعالى خاطب أولياء اليتامى، فقال: وإن خفتم من أنفسكم المشاحّة في صدقاتهنّ، وأن لا تعدلوا، فتبلغوا بهنّ صدق أمثالهنّ، فلا تنكحوهنّ، وانكحوا غيرهنّ من الغرائب اللواتي أُحلّ لكم خطبتهنّ من واحدة إلى أربع، وإن خفتم أن تجوروا إذا نكحتم من الغرائب أكثر من واحدة، فانكحوا منهنّ واحدةً، أو ما ملكتم من الإماء انتهى (¬2).
(قَالَ: عُرْوَةُ: قَالَتْ عَائِشَةُ:) - رضي اللَّه تعالى عنها -، وهو معطوفٌ على المذكور، وإن كان بغير أداة عطف (ثُمَّ إِنَّ النَّاسَ، اسْتَفْتَوْا رَسُولَ اللهِ - صلى اللَّه عليه وسلم - بَعْدُ) بضمّ الدّال، من الظروفة المبنيّة على الضمّ، لقطعها عن الإضافة، ونيّة معناها، أي بعد نزول هذه الآية بهذه القصّة. وفي رواية عُقيل: "بعد ذلك" (فِيهِنَّ) أي في شأن النساء (فَأَنْزَلَ اللَّه -عَزَّ وَجَلَّ-: {وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ) أي يسألونك الإفتاء في النساء، والإفتاء تبيين المبهم (¬3) (قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ} قال النسفيّ: أي اللَّه يفتيكم، والمتلوّ في الكتاب، أي القرآن في معنى اليامى، يعني قوله: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى}، وهو من قولك: أعجبني زيد وكرمُهُ، {وما يُتلى} في محلّ الرفع بالعطف على الضمير في {يفتيكم}، أو على لفظ {اللَّه}، و {في يتامى النساء} صلة {يُتلى}، أي يتلى عليكم في معناهنّ، ويجوز أن يكون في {يتامى النساء} بدلاً من {فيهنّ}، والإضافة بمعنى "من" (إِلَى قَوْلِهِ: {وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ}، قَالَت عَائِشَةُ: وَالذِي ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى، أنَّهُ يُتلَى فِي الْكِتَابِ الآيَةُ الأوُلَى، التي فِيهَا: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ}، قَالَت عَائِشَةُ: وَقَوْلُ اللَّهِ فِي الْآيَةِ الأُخرَى: {وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ} رَغبَةَ أَحَدِكُمْ عَنْ يَتِيمَتِهِ)
¬__________
(¬1) "فتح" 9/ 111 "كتاب التفسير". رقم 4574.
(¬2) "معالم السنن" 3/ 15 - 16.
(¬3) "تفسير النسفيّ" 1/ 253.

الصفحة 26