كتاب ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (اسم الجزء: 28)

وأربعًا أربعًا حصرٌ للعدد، ومثنى وثلاث، ورباع بخلافها، ففي العدد المعدول عند العرب زيادة معنى، ليست في الأصل، وذلك أنها إذا قالت: جاءت الخيل مثنى، إنما تعني بذلك اثنين اثنين، أي جاءت مزدوجةً. قال الجوهريّ: وكذلك معدول العدد. وقال غيره: إذا قلت جاءني قوم مثنى، أو ثُلاث، أو أُحاد، أو عُشار، فإنما تريد أنهم جاءوك واحدًا واحدًا، أو اثنين اثنين، أو ثلاثة ثلاثة، أو عشرة عشرة، وليس هذا المعنى في الأصل؛ لأنك إذا قلت: جاءني قوم ثلاثة ثلاثة، أو قومٌ عشرة عشرة، فقد حصرت عِدّة القوم بقولك ثلاثة وعشرة، فإذا قلت: جاءوني رُباع، وثُناء، فلم تحصر عِدّتهم، وإنما تريد أنهم جاءوك أربعة أربعة، أو اثنين اثنين، وسواء أكثر عددهم، أو قلّ في هذا الباب، فقصرهم كلّ صيغة على أقلّ ما تقتضيه بزعمه تحكّم. انتهى كلام القرطبيّ -رحمه اللَّه تعالى- (¬1).
قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: الحقّ أن نكاح أكثر من أربع نسوة للحرّ لا يجوز، وهذا مجمع عليه بين أهل السنَّة، قال الإمام ابن حزم -رحمه اللَّه تعالى-: ولا يحلّ لأحد أن يتزوّج أكثر من أربع نسوة، إماء، أو حرائر، أو بعضهنّ حرائر، وبعضهنّ إماء. قال: برهان ذلك قول اللَّه -عَزَّ وَجَلَّ-: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ}، ثم أخرج بسنده حديث غيلان الثقفي المتقدّم، ثم قال: فإن قيل: فإن معمرًا أخطأ في هذا الحديث، فأسنده. قلنا: معمر ثقة مأمون، فمن ادّعى عليه أنه أخطأ، فعليه البرهان بذلك، ولا سبيل له إليه. وأيضا فلم يَختَلِف في أنه لا يحلّ لأحد زواج أكثر من أربع نسوة أحد من أهل الإسلام، وخالف في ذلك قوم من الروافض، لا يصحّ لهم عقد الإسلام انتهى (¬2).
قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: تبيّن بما ذكره ابن حزم أن هذه المسألة محلّ إجماع بين أهل السنة، فلا يحلّ لأحد أن يتزوّج أكثر من أربع نسوة، بإجماع أهل السنّة والجماعة، وما خالف فيها إلا قوم من الروافض، فما تقدّم من نسبة القرطبي، وغيره ذلك إلى بعض الظاهرية، غير صحيح؛ لأن أعلم الناس بمذهب الظاهرية، بل وبمذهب غيرهم أيضًا -وهو ابن حزم الظاهريّ- قد نفى الخلاف بين أهل السنة، ونسبه إلى قوم من الرافضة، فتبيّن بطلان ما ذُكر، فتبصّر، ولا تتحيّر.
وأما حديث غيلان المذكور فهو حديث تكلموا فيه، لكن الأرجح أنه صحيح، كما سيأتي.
¬__________
(¬1) "الجامع لأحكام القرآن" 5/ 17/ 18.
(¬2) "المحلّى" 9/ 441.

الصفحة 31