كتاب ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (اسم الجزء: 28)

تعالى عنها، قالت: قال رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -: "طلاق العبد اثنتان، فلا تحلّ له حتى تنكح زوجًا غيره، وقرء الأمة حيضتان، وتتزوّج الحرّة على الأمة، ولا تتزوّج الأمة على الحرّة" (¬1). وهذا نصّ. ولأن الحرّ يملك أن يتزوّج أربعًا، فملك طلقات ثلاثًا، كما لو كان تحته حرّةٌ، ولا خلاف في أن الحرّ الذي زوجته حرّةٌ طلاقه ثلاث، وأن العبد الذي تحته أمة طلاقه اثنتان، وإنما الخلاف فيما إذا كان أحد الزوجين حرًّا، والآخر رقيقًا انتهى كلام ابن قدامة -رحمه اللَّه تعالى- (¬2).
قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: الذي يظهر لي أن ما ذهب إليه الأولون من أن اعتبار الطلاق بالرجال هو الأقرب؛ لإسناد الشارع الطلاق إليهم حينما خاطبهم في غير ما آية، كقوله تعالى: {إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ} الآية، ولأنه خالص حقّ الرجل، لا حقّ للمرأة فيه، فاعتباره به أولى، وأما حديث عائشة - رضي اللَّه تعالى عنها - المذكور، فإنه ضعيف؛ لضعف مُظاهر بن أسلم، فلا يصلح دليلاً للفريقين، فتبصّر. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا، ونعم الوكيل.
وقوله: (خالفه معمر) يعني أن معمر بن راشد خالف عليّ بن المبارك في رواية هذا الحديث، حيث قال: "عن الحسن مولى بني نوفل"، وهو وهَمٌ، والصواب "عن أبي الحسن"، كما في رواية عليّ بن المبارك، لكن سيأتي قريبًا أن هذا الوهم ليس من معمر، فليُتنبّه. ثم ساق رواية معمر بقوله:
3455 - (أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ, قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ, قَالَ: أَنْبَأَنَا مَعْمَرٌ, عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ, عَنْ عُمَرَ بْنِ مُعَتِّبٍ, عَنِ الْحَسَنِ, مَوْلَى بَنِي نَوْفَلٍ, قَالَ: سُئِلَ ابْنُ عَبَّاسٍ, عَنْ عَبْدٍ, طَلَّقَ امْرَأَتَهُ تَطْلِيقَتَيْنِ, ثُمَّ عُتِقَا, أَيَتَزَوَّجُهَا؟ , قَالَ: نَعَمْ, قَالَ: عَمَّنْ؟ , قَالَ: أَفْتَى بِذَلِكَ رَسُولُ اللهِ - صلى اللَّه عليه وسلم -
قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: قَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ لِمَعْمَرٍ: الْحَسَنُ هَذَا مَنْ هُوَ؟ لَقَدْ حَمَلَ صَخْرَةً عَظِيمَةً).
قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: أراد المصنّف -رحمه اللَّه تعالى- بيان مخالفة معمر لعلي بن المبارك حيث قال: "عن الحسن مولى بني نوفل"، والصواب "عن أبي الحسن مولى بني نوفل" كما قال علي بن المبارك، لكن نسبة الوهم إلى معمر محل نظر، قال الحافظ أبو الحجّاج المزيّ -رحمه اللَّه تعالى- في "تحفة الأشراف": ما نصّه: ونسبة الوَهم في ذلك إلى معمر، أو عبد الرزاق غير مستقيم؛ فإن أحمد بن حنبل، ومحمد بن عبد الملك بن زنجويه، وغير واحد قد رووه عن عبد الرزّاق، عن معمر، فقالوا: "عن أبي الحسن" على الصواب، وإنما وقع عند النسائيّ وحده "عن الحسن"، فالسهو في
¬__________
(¬1) حديث ضعيف في سنده مظاهر المذكور، وهو ضعيف.
(¬2) "المغني" 10/ 533 - 534.

الصفحة 337