كتاب ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (اسم الجزء: 28)

يمسك منهنّ أربعًا، فلما كان زمان عمر طلّقهنّ، فقال له عمر: راجعهنّ، وإلا وَرَّثْتُهُنّ مالَكَ، وأمرتُ بقبرك". زاد ابن نوح: "فأسلم، وأسلمن معه".
فهذا أيوب يرويه عن سالم، كما رواه الزهريّ عنه في رواية معمر، وزاد إلى سالم نافعًا. وسَرَّار بن مُجَشِّر أحد الثقات، وسيف بن عبيد اللَّه، قال فيه عمرو بن عليّ: من خيار الخلق. ولم يذكره ابن أبي حاتم، ولا أعرفه عند غيره (¬1).
ولما ذكر الدارقطنيّ هذا الحديث في "كتاب العلل" قال: تفرّد به سيف بن عُبيد اللَّه الجرميّ، عن سَرَّار. وسرار بن مجشّر أبو عبيدة، ثقة، من أهل البصرة.
قال ابن القطّان: والمتحصّل من هذا، هو أن حديث الزهريّ، عن سالم، عن أبيه، من رواية معمر في قصّة غيلان صحيح، ولم يَعتلّ عليه من ضعفه بأكثر من الاختلاف على الزهريّ، فاعلم ذلك. انتهى كلام الحافظ أبي الحسن ابن القطّان الفاسيّ (¬2).
قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: قد تبيّن بما ذُكر صحّة رواية معمر عن الزهريّ، وأن الحديث ثابت عن النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -، وقد صح أيضًا من رواية أيوب السختياني عن نافع وسالم كلاهما عن ابن عمر.
والحاصل أن الحديث صحيح بكلا الطريقين: طريق الزهري عن سالم، وطريق أيوب عن نافع وسالم كلاهما عن ابن عمر - رضي اللَّه عنهما -. وبهذا يُقطع دابر الذين خالفوا إجماع السلف، فقد سمعت أن في بعض البلدان قد وقع فتوى بحلّ ما فوق الأربع من النساء، وليس لهم متمسّك فيما سمعت إلا قولهم: لم يصحّ دليلٌ في تحريم ما زاد على الأربع من النساء، وهذا جهلٌ منهم، فقد ثبت لدينا ما يُقطع دابرهم دليلان:
(أحدهما): الإجماع، كما عرفت تحقيقه، وهو كاف وحده، فلا داعي إلى البحث عن دليل آخر.
(الثاني):- حديث قصّة غيلان المذكور، فإنه صحيح، كما عرفت إيضاحه، فإذا عرفت هذا تبيّن لك الحقّ الأبلج، فماذا بعد الحقّ إلا الضلال. اللَّهمّ أرنا الحقّ حقًّا، وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلًا، وارزقنا اجتنابه، إنك سميع قريب مجيب الدعوات. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة السادسة): في اختلاف أهل العلم فيمن تزوّج خامسة:
ذهب مالكٌ، والشافعيّ إلى أن عليه الحدّ إن كان عالمًا، وبه قال أبو ثور. وقال
¬__________
(¬1) بل هو معروف، قال عمرو بن علي الفلاّس: من خيار الخلق. وقال عمرو بن يزيد الجرميّ: ثقة. وقال أبو بكر البزّار في "مسنده": ثقة. وذكره ابن حبّان في "الثقات"، وقال: ربما خالف. انظر ترجمته في "تهذيب التهذيب" 2/ 144.
(¬2) "كتاب الوهم والإيهام" 5/ 495 - 500. رقم الحديث 1270.

الصفحة 34