كتاب ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (اسم الجزء: 28)

يَحتلم". ولأنه غير مكلّف، فلم يقع طلاقه، كالمجنون. ووجه الأولى قوله - عليه السلام -: "الطلاق لمن أخذ بالساق"، وقوله: "كلّ طلاق جائزٌ إلا طلاق المعتوه المغلوب على عقله". وروي عن عليّ - رضي اللَّه عنه - أنه قال: "اكتُمُوا الصبيان النكاح"، فيُفهم منه أن فائدته أن لا يُطلّقوا؛ ولأنه طلاقٌ من عاقل، صادَفَ محلَّ الطلاق، فوقع كطلاق البالغ انتهى كلام ابن قُدامة -رحمه اللَّه تعالى- (¬1).
قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: عندي أن مذهب القائلين بعدم وقوع طلاق الصبيّ حتى يبلغ -كما هو ظاهر مذهب المصنّف -رحمه اللَّه تعالى- هو الحقّ؛ لحديث الباب؛ لأنه إذا لم يؤاخذ بالكفر، فعدم أخذه بالطلاق أولى، ولحديث عائشة - رضي اللَّه تعالى - عنها -، مرفوعًا: "رُفع القلم عن ثلاثة: عن الصبي حتى يبلغ، وعن النائم حتى يستيقظ، وعن المجنون حتى يُفيق". وهو حديث صحيح سيأتي للمصنّف بنحوه في الباب التالي، إن شاء اللَّه تعالى. وأما حديث "إنما الطلاق لمن أخذ بالساق" فإنه وإن حسّنه بعضهم بمجموع طرقه (¬2) ضعيف؛ لضعف سنده، واضطرابه، فإنه من رواية ابن لَهِيعة، وهو ضعيفٌ لاختلاطه بعد احتراق كتبه، وقد اختُلف عليه في إسناده، وعلى تقدير صحّته، فإنه محمول على أنه لا يُطلّق المرأة غير زوجها، كالسيّد لا يجوز أن يُطلّق امرأة عبده، كما هو سبب الحديث. وأما حديث: "كلّ طلاق جائزٌ إلا طلاق المعتوه، والمغلوب على عقله"، فإنه ضعيف جدًّا، كما قال الحافظ في "الفتح" 9/ 345.
وقال الإمام الترمذيّ -رحمه اللَّه تعالى-1/ 224 - بعد إخراجه: هذا حديثٌ غريبٌ، لا نعرفه مرفوعًا إلا من حديث عطاء بن عجلان، وهو ضعيف، ذاهب الحديث انتهى.
والحاصل أن الأرجح أن طلاق الصبيّ لا يقع حتى يبلغ. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا، ونعم الوكيل.
3457 - (أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَنْصُورٍ, قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ, عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ, عَنْ عَطِيَّةَ الْقُرَظِيِّ, قَالَ: "كُنْتُ يَوْمَ حُكْمِ سَعْدٍ فِي بَنِي قُرَيْظَةَ غُلاَمًا, فَشَكُّوا فِيَّ فَلَمْ يَجِدُونِي أَنْبَتُّ, فَاسْتُبْقِيتُ, فَهَا أَنَا ذَا بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ").
قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: "محمد بن منصور": هو الجَوَّاز المكيّ. و"سفيان": هو ابن عُيينة. و"عبد الملك بن عُمير": هو الفرسيّ القبطيّ الكوفيّ.
والسند من رباعيّات المصنّف -رحمه اللَّه تعالى-، وهو أعلى الأسانيد له، كما نبّهتُ عليه غير مرّة، وهذا هو (178).
وقوله: "يوم حكم سعد" يحتمل أن يكون "حُكْم" بلفظ المصدر، مضافًا إلى
¬__________
(¬1) "المغني، 10/ 348 - 349.
(¬2) راجع "إرواء الغليل" للشيخ الألبانيّ 7/ 108 - 110.

الصفحة 344