كتاب ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (اسم الجزء: 28)

شرح الحديث
(عَنِ ابْنِ عُمَرَ) - رضي اللَّه تعالى عنهما - (أَنَّ رَسُولَ - صلى اللَّه عليه وسلم -، عَرَضَهُ) من باب ضرب: عَرَضتُ الجندَ: إذا أمرَرْتَهم، ونظرت إليهم؛ لتعرفهم. قاله الفيّوميّ (يَوْمَ أُحُدٍ) أي يوم وقعة أحد، وهو -بضمّتين-: جبل بقرب مدينة النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -، من جهة الشام، كانت به الوقعة، في أوائل شوّال سنة ثلاث من الهجرة، وهو مذكّر، فينصرف، وقيل: يجوز تأنيثه على توهّم البقعة، فيُمنع من الصرف، وليس بالقويّ. أفاده الفيّوميّ (وَهُوَ ابْنُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةَ) جملة في محلّ نصب على الحال من المفعول (فَلَمْ يُجِزْهُ) بضمّ أوّله، من الإجازة، يقال: جاز العقدُ وغيره: نَفَذَ، ومضى على الصحّة، وأَجزتُ العقدَ: جعلته جائزًا نافذًا. يعني أنه لم يجعله في ديوان المقاتلين.
وفي رواية البخاريّ: "فلم يُجزني"، وفيه التفات. وفي رواية لمسلم: "عرضني رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - يوم أحد في القتال، فلم يُجزني". وفي رواية: "فاستصغرني". وفي "صحيح ابن حبّان": "فلم يُجزني، ولم يَرَني بلغت" (وَعَرَضَهُ يَوْمَ الْخَنْدَقِ) قال في "القاموس": الخندق كجَعْفَر: حَفِيرٌ حولَ أَسْوَار الْمُدُن، مُعرَّبُ كَنْدَه انتهى. أي يوم غزوة الخندق، وسيأتي الاختلاف في وقتها قريبًا (وَهُوَ ابْنُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً، فَأَجَازَهُ) قال في "الفتح": ولم تختلف الرواة عن عبيد اللَّه بن عمر في ذلك، وهو الاقتصار على ذكر أُحُدٍ والخندق. وكذا أخرجه ابن حبّان من طريق مالك، عن نافع. وأخرجه ابن سعد في "الطبقات" عن يزيد بن هارون، عن أبي معشر، عن نافع، عن ابن عمر، فزاد فيه ذكر بدرٍ، ولفظه: "عُرِضت على رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - يوم بدرٍ، وأنا ابن ثلاث عشرة، فردّني، وعُرِضتُ عليه يوم أحد ... " الحديث، قال ابن سعد: قال يزيد بن هارون: ينبغي أن يكون في الخندق ابن ستّ عشرة سنة انتهى. وهو أقدم من نعرفه استشكل قول ابن عمر هذا، وإنما بناه على قول ابن إسحاق، وأكثر أهل السير أن الخندق كانت في سنة خمس من الهجرة، وإن اختلفوا في تعيين شهرها. واتّفقوا على أن أُحُدًا كانت في شوّال سنة ثلاث، وإذا كان كذلك جاء ما قال يزيد: إنه يكون حينئذ ابن ستّ عشرة سنة، لكن البخاريّ جنح إلى قول موسى بن عقبة في "المغازي": إن الخندقَ كانت في شوّال سنة أربع. وقد روى يعقوب بن سفيان في: تاريخه"، ومن طريقه البيهقيّ، عن عروة نحو قول موسى بن عقبة. وعن مالك الجزم بذلك، وعلى هذا لا إشكال، لكن اتّفق أهل المغازي على أن المشركين لَمّا توجّهوا في أُحُد نادوا المسلمين: موعدكم العام المقبل بدر، وأنه - صلى اللَّه عليه وسلم - خرج إليها من السنة المقبلة في شوّال، فلم يَجِد بها أحدًا، وهذه هي التي تُسمّى "بدر الموعد"، ولم يقع بها قتالٌ، فتعيّن ما قال ابن إسحاق: إن

الصفحة 346