كتاب ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (اسم الجزء: 28)

(المسألة الثالثة): في فوائده:
(منها): ما ترجم له المصنّف، وهو بيان أن طلاق الصبيّ لا يقع حتى يبلغ، وبلوغه، إما بالاحتلام، أو بالإنبات، كما سبق في الحديث الماضي، أو ببلوغ السنّ، وهو خمس عشرة سنة، كما في حديث ابن عمر - رضي اللَّه تعالى عنهما - هذا. (ومنها): أن الإمام يستعرض من يخرج معه للقتال قبل أن تقع الحرب، فمن وجده أهلاً استصحبه، وإلا ردّه، وقد وقع ذلك للنبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - في بدر، وأُحُد، وغيرهما. وعند المالكيّة والحنفيّة لا تتوقّف الإجازة للقتال على البلوغ، بل للإمام أن يُجيز من الصبيان من فيه قوّة ونَجْدَةٌ، فرُبّ مُراهقٍ أقوى من بالغ، وحديث ابن عمر - رضي اللَّه تعالى - عنهما هذا حجةٌ عليهما، ولا سيّما وقد ثبتت زيادة: "فلم يُجزني، ولم يرني بلغتُ"، وهي صحيحة، كما سيأتي قريبًا. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة الرابعة): وقع في "الصحيحين" في آخر هذا الحديث: ما نصّه: قال نافعٌ: "فقدِمتُ على عمر بن عبد العزيز، وهو خليفة، فحدّثته الحديثَ، فقال: إن هذا لحدٌّ بين الصغير والكبير، وكتب إلى عُمّاله أن يَفرِضُوا لمن بلغ خمس عشرة سنة"، زاد مسلم في روايته: "ومن كان دون ذلك، فاجعلوه في العيال". وقوله: "أن يَفرِضوا" أي يُقدّروا لهم رزقًا في ديوان الجند، وكانوا يفرّقون بين المقاتلة وغيرهم في العطاء، وهو الرزق الذي يُجمع في بيت المال، ويفرّق على مستحقّيه.
واستدلّ بقصّة ابن عمر - رضي اللَّه تعالى عنهما - على أن من استكمل خمس عشرة سنة أُجريت عليه أحكام البالغين، وإن لم يحتلم، فيكلّف بالعبادات، وإقامة الحدود، ويَستحقّ سهم الغنيمة، وُيقتل إن كان حربيًّا، ويُفكّ عنه الحجر، إن أُونس رُشده، وغير ذلك من الأحكام. وقد عمل بذلك عمر بن عبد العزيز، وأقرّه عليه راويه نافع.
وأجاب الطحاويّ، وابن القصّار، وغيرهما، ممن لم يأخذ به بأن الإجازة المذكورة جاء التصريح بانها كانت في القتال، وذلك يتعلّق بالقوّة والجلَد. وأجاب بعض المالكيّة بأنها واقعة عين، فلا عموم لها، ويَحتمل أن يكون صادف أنه كان عند تلك السنّ قد احتلم، فلذلك أجازه. وتجاسر بعضهم، فقال: إنما ردّه لضعفه، لا لسنّه، وإنما أجازه لقوّته، لا لبلوغه. ويردّ على ذلك ما أخرجه عبد الرزّاق، عن ابن جريج، ورواه أبو عوانة، وابن حبّان في "صحيحيهما" من وجه آخر، عن ابن جريج، قال: أخبرني نافع، فذكر هذا الحديث بلفظ: "عُرضتُ على النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - يوم الخندق، فلم يُجزني، ولم يرني بلغتُ ... " الحديث، وهي زيادة صحيحة، لا مَطعَنَ فيها؛ لجلالة ابن جريج، وتقدّمه على غيره في حديث نافع، وقد صرّح فيها بالتحديث، فانتفى ما يُخشى من تدليسه،

الصفحة 348