كتاب ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (اسم الجزء: 28)

(المسألة الثالثة): في فوائده:
(منها): ما ترجم له المصنّف -رحمه اللَّه تعالى-، وهو بيان من لا يقع طلاقه من الأزواج، وهم هؤلاء المذكورون في هذا الحديث. (ومنها): بيان عدم تكليف الصبيّ، والمجنون، والنائم ما داموا متّصفين بتلك الأوصاف. (ومنها): عِظَمُ رأفة اللَّه سبحانه وتعالى بعباده، حيث لم يكلّف من ليس له صلاحية لأداء ما كُلّف به، مثل هؤلاء الثلاثة، {وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ}. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة الرابعة): في مذاهب العلماء في طلاق من زال عقله:
قال العلامة ابن قُدامة -رحمه اللَّه تعالى-: أجمع أهل العلم على أن الزائل العقل بغير سُكر، أو ما في معناه لا يقع طلاقه، كذلك قال عثمان، وعليّ، وسعيد بن المسيّب، والحسن، والنخعيّ، والشعبيّ، وأبو قلابة، وقتادة، والزهريّ، ويحيى الأنصاريّ، ومالك، والثوريّ، والشافعيّ، وأصحاب الرأي. وأجمعوا على أن الرجل إذا طلّق في حال نومه فلا طلاق له؛ لحديث: "رُفع القلم عن ثلاثة ... " الحديث؛ ولأنه قولٌ يُزيل الملك، فاعتُبر له العقل، كالبيع، وسواء زال عقله لجنون، أو إغماء، أو نوم، أو شُرب دواء، أو إكراه على شرب خمر، أو شرب ما يُزيل عقله شربُهُ، ولا يَعلَم أنه مزيلٌ للعقل، فكلّ هذا يمنع وقوع الطلاق، رواية واحدة، ولا نَعلم فيه خلافًا.
فأما إن شرب الْبَنْجَ ونحوه مما يُزيل عقلَهُ، عالمًا به، متلاعبًا، فحكمه حكم السكران في طلاقه، وبهذا قال أصحاب الشافعيّ، وقال أصحاب أبي حنيفة: لا يقع طلاقه؛ لأنه لا يلتذّ بشربها، ولنا أنه زال عقله بمعصية، فأشبه السكران.
وأما السكران ففيه روايتان:
[إحداهما]: يقع طلاقه، اختارها أبو بكر الخلّال، والقاضي، وهو مذهب سعيد بن المسيّب، وعطاء، ومجا هد، والحسن، وابن سيرين، والشعبيّ، والنخعيّ، وميمون بن مهران، والحكم، ومالك، والثوريّ، والأوزاعيّ، والشافعيّ في أحد قوليه، وابن شُبْرُمة، وأبي حنيفة، وصاحبيه، وسليمان بن حرب؛ لحديث أبي هريرة - رضي اللَّه عنه - عن النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -، أنه قال: "كلّ الطلاق جائزٌ، إلا طلاق المعتوه المغلوب على عقله". رواه الترمذيّ، وقال: لا نعرفه إلا من حديث عطاء بن عجلان، وهو ذاهب الحديث. ومثل هذا عن عليّ، ومعاوية، وابن عباس - رضي اللَّه عنهم -.
[والثانية]: أنه لا يقع طلاقه، واختارها أبو بكر عبد العزيز، وهو قول عثمان - رضي اللَّه عنه -، ومذهب عمر بن عبد العزيز، والقاسم، وطاوس، وربيعة، ويحيى الأنصاريّ، والليث، والعنبريّ، وإسحاق، وأبي ثور، والمزنيّ. قال ابن المنذر: هذا ثابتٌ عن عثمان، ولا

الصفحة 354