كتاب ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (اسم الجزء: 28)

المدعو إذا كانت زوجته، أو من عليه نفقته محتاجين إلى الطعام، فله أن يمتنع من الإجابة، إلا أن يؤذن لهم، فيكون هذا عذرًا من الأعذار التي تسقط وجوب إجابة الدعوة. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة الرابعة): في مذاهب العلماء في الإشارة بالطلاق:
قال العلاّمة ابن قدامة -رحمه اللَّه تعالى-: من لا يقدر على الكلام، كالأخرس إذا طلّق بالإشارة، طُلّقت زوجته، وبهذا قال مالكٌ، والشافعيّ، وأصحاب الرأي، ولا نعلم عن غيرهم خلافهم؛ وذلك لأنه لا طريق له إلى الطلاق إلا بالإشارة، فقامت إشارته مقام الكلام من غيره فيه، كالنكاح. فاما القادر، فلا يصحّ طلاقه بالإشارة، كما لا يصحّ نكاحه بها انتهى (¬1).
وقال الإمام البخاريّ -رحمه اللَّه تعالى- في "صحيحه": "باب الإشارة في الطلاق،
والأمور"، ثم أرود عدّة أحاديث معلّقةً، وموصولةً، استدلالاً على ما ترجم به. فقال ابن بطال: ذهب الجمهور إلى أن الإشارة إذا كانت مفهمةً تتنزّل منزلة النطق، وخالف الحنفيّة في بعض ذلك، ولعلّ البخاريّ ردّ عليهم بهذه الأحاديث التي جعل فيها النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - الإشارة قائمة مقام النطق، وإذا جازت الإشارة في أحكام مختلفة في الديانة، فهي لمن لا يمكنه النطق أجوز. وقال ابن المنيّر: أراد البخاريّ أن الإشارة بالطلاق وغيره من الأخرس وغيره التي يُفهم منها الأصل، والعدد نافذٌ كاللفظ انتهى.
وقال الحافظ: وقد اختلف العلماء في الإشارة المفهمة، فأما في حقوق اللَّه، فقالوا: يكفي ولو من القادر على النطق، وأما في حقوق الآدميين، كالعقود، والإقرار، والوصيّة، ونحو ذلك، فاختلف العلماء فيمن اعتُقل لسانه، ثالثها عن أبي حنيفة: إن كان مأيوسًا من نطقه، وعن بعض الحنابلة: إن اتّصل بالموت، ورجّحه الطحاويّ. وعن الأوزاعيّ: إن سبقه كلام. ونُقل عن مكحول: إن قال: فلان حرّ، ثم أُصمت، فقيل له: وفلان؟ فأوما صحّ. وأما القادر على النطق، فلا تقوم إشارته مقام نطقه عند الأكثرين، واختُلف هل يقوم مقام النيّة، كما لو طلّق امرأته، فقيل له: كم طلّقتَ؟ فأشار بإصبعه. انتهى (¬2).
قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: عندي أن القول بوقوع الطلاق بالإشارة المفهمة مطلقًا، سواء كان من الأخرس، أو من القادر على النطق، هو الأصحّ، كما هو مذهب الإمام البخاريّ، والمصنّف، وبعض أهل العلم؛ لوضوح أدلّته، فقد ساق الإمام
¬__________
(¬1) "المغني" 10/ 502.
(¬2) "فتح" 10/ 549. "كتاب الطلاق".

الصفحة 367