كتاب ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (اسم الجزء: 28)

وتنبيه، يلقَى بها إلى المخاطب، تنبيهًا له، وإزالةً لغفلته (لَا تُغْلُوا) بضمّ التاء، من الإغلاء رباعيًّا، يقال: غلا في الدين غُلُوًّا، من باب قَعَدَ: تَصَلَّبَ، وشَدّد حتى جاوز الحدّ، وفي التنزيل: {لا تغلوا في دينكم} الآية، وغالى في أمره مُغالاةً: بالغ، وغلا السّعرُ يغلُو، والاسمُ الغَلَاءُ -بالفتح، والمدّ- ارتفع، ويقال للشيء إذا زاد، وارتفع: قد غلا، ويتعدّى بالهمز، فيقال: أغلى اللَّه السّعرَ. قاله الفيّوميّ.
وقوله (صُدُقَ النِّسَاءِ) وفي بعض النسخ: "صداق النساء"، و"الصُّدُقُ" -بضمَتين-: جمع صداق -بفتح الصاد، وكسرها- وقد تقدّم ضبط هذه اللفظة في شرح الترجمة. وهو بالنصب مفعول "تُغلوا". والمعنى: لا ترفعوا مُهُر النساء، ولا تتجاوزا به الحدّ الذي يتيسَّرُ لمن يريد النكاح.
[تنبيه]: قولي: "من الإغلاء رباعيًا" هذا هو الصواب؛ وأما قول السنديّ: هو من الغلوّ الخ، فليس بشيء؛ لأنه هنا متعدّ نصبَ قوله: "صُدُقَ النساءِ"، والذي يتعدى هو الرباعي، وأما الثلاثيّ، فلازم، لا ينصب المفعول به، بل يتعدّى إليه إما بالباء، وإما بـ"في"، وأما دعواه أن نصبه بنزع الخافض فتكلّفٌ لا داعي إليه.
وقوله: أيضًا: وليس من الغلاء، ضدّ الرخاء كما يوهمه كلام بعضهم، فجعله مضارعًا لـ"أغلى". غير صحيح أيضًا؛ لأنه صرّح بهذا التفسير في "لسان العرب"، فقال: الغلاء: نقيض الرخص، غلا السعر وغيره يغلو غَلاءً ممدود، فهو غالٍ، إلى أن قال: يقال: غاليتُ صَداقَ المرأة: أي أغليته، ومنه قول عمر - رضي اللَّه عنه -: "لا تُغالوا صُدُقَات النساء"، وفي رواية: "لا تُغالوا صُدُقَ النساء"، وفي رواية: "في صَدُقاتهنّ"، أي لا تبالغوا في كثرة الصّداق، وأصلُ الغلاء: الارتفاع، ومجاوزة القدر في كلّ شيء. وقال أيضًا: وغلا في الدين، والأمر غُلُوًّا: جاوز الحدّ. وقال: غلوت في الأمر غُلُوًّا، وغَلَانيةً، وغَلَانيًا: إذا جاوزت فيه الحدّ، وأفرطت فيه. انتهى ملخّصًا (¬1).
وقال ابن الأثير بعد تفسير كلام عمر - رضي اللَّه عنه - هذا: ما نصّه: وأصل الغَلاء: الاتفاع، ومجاوزة القدر في كلّ شيء، يقال: غاليت الشيء، وبالشيء، وغلوت فيه أغلو: إذا جاوزت فيه الحدّ انتهى (¬2).
فثبت بهذا صحّة كونه مضارع "أغلى"، وأن "صُدُقَ النساء" منصوب به على أنه مفعوله، لا أنه منصوب بنزع الخافض، كما ادعاه السنديّ، فإنه تكلّفٌ، لا داعي إليه، فتبصّر بالإنصاف، ولا تتحيّر بالاعتساف. واللَّه تعالى أعلم.
¬__________
(¬1) لسان العرب في مادة "غلا" 15/ 131 - 132.
(¬2) "النهاية" 3/ 382.

الصفحة 43