كتاب ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (اسم الجزء: 28)

(فَإِنَّهُ) الفاء تعليليّةٌ، والضمير راجع إلى الإغلاء المفهوم من "تُغلُوا"، أي لأن إغلاء الصداق (لَوْ كَانَ مَكْرُمَةً) -بفتح الميم، وسكون الكاف، وضمّ الراء -أي شَرَفًا، ومَفْخَرَةً، قال في "القاموس": الْكَرَمُ محرّكةً، والْكَرَامةُ: ضدّ اللؤم. وقال في "اللسان": والْمَكْرُمةُ، والْمَكرُمُ: فعلُ الْكَرَم، وفي "الصحاح": واحدة المكارم، ولا نظير له إلا مَعُونٌ، من العَوْنِ؛ لأنّ كلّ مَفعُلَة فالهاء لها لازمةٌ، إلا هذين، قال أبو الأَخْرَز الْحِمَّاني [من الرجز]:
مَرْوَانُ مَرْوَانُ أَخُو الْيَوْمِ الْيَمِي (¬1) ... لِيَوْمِ رَوْعٍ أَوْ فِعَالِ مَكْرُمِ
وُيروَى:
نَعَمْ أَخُو الْهَيجَاءِ فِي الْيَوْمِ الْيَمِي
وقال جَمِيل [من الطويل]:
بُثَيْنَ الْزَمِي "لَا" إِنَّ "لَا" إِنْ لَزِمْتِهِ ... عَلَى كَثْرَةِ الْوَاشِينَ أَيُّ مَعُونِ
وقال الفرّاء: مَكْرُم جمعُ مكرُمة، ومعُونٌ جمع معونة انتهى (¬2).
(فِي الدُّنْيَا) متعلّقٌ بـ"مكرمة" أي مما يتشرّف به الناس فيما بينهم في الدنيا؛ لكونه عملًا محمودًا (أَوْ تَقوَى عِنْدَ اللَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ-) أي من الأعمال الصالحة التي يتشرّف بها العبد عند اللَّه تعالى، فترفع بها درجاته في الآخرة (كَانَ أَوْلَاكُمْ بِهِ) أي أحقّكم بمغالاة المهر (النَّبِيُّ - صلى اللَّه عليه وسلم -) بالرفع على أنه اسم "كان" مؤخّرًا، ويجوز العكَس (مَا) نافية (أَصْدَقَ) بالبناء للفاعل: أي أعطى الصداق (رَسُولُ اللهِ - صلى اللَّه عليه وسلم -، امْرَأَةً مِنْ نِسَائِهِ) أي أزواجه، أمهات المؤمنين - رضي اللَّه تعالى عنهنّ - (وَلَا أُصْدِقَتِ) بالبناء للمفعول، ونائب فاعله قوله (امْرَأَةٌ مِنْ بَنَاتِهِ، أَكْثَرَ) مفعول ثانٍ، تنازعاه الفعلان قبله (مِنْ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ) وفي بعض النسخ: "اثنتي عشرة" (أُوقِيَّةَ) تقدّم ضبط الأقية، ومعناها، ومقدار الاثنتي عشرة أوقية أربعمائة وثمانون درهمًا.
[فإن قلت]: هذا الذي قاله عمر - رضي اللَّه عنه - يعارضه ما ثبت كون مهر أم حبيبة - رضي اللَّه تعالى عنها - أربعة آلاف درهم، وأيضًا ما تقدّم في حديث عائشة - رضي اللَّه تعالى عنها - من زيادة النّشّ، فكيف يُجمع؟.
[قلت]: يُجمع بأن مراد عمر - رضي اللَّه عنه - إذا كان النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - يتولّى النكاح، أو الإنكاح بنفسه، فإنه لا يزيد على القدر المذكور، وأما زيادة مهر أم حبيبة - رضي اللَّه تعالى عنها -،
¬__________
(¬1) أي اليوم الشديد، وفيه قلب مكانيّ انظر تصريفه في "اللسان" في مادة "يوم".
(¬2) "لسان العرب" مادّة "كرم" 12/ 512 - 513.

الصفحة 44