كتاب ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (اسم الجزء: 28)

واحتجتُ إلى عَرَقِ القربة، وهو ماؤها. وقيل: أراد تكلّفتُ لك ما لم يبلغه أحدٌ، وما لا يكون؛ لأن القربة لا تَعرَقُ. وقال الأصمعيّ: عَرَقُ القربة معناه: الشّدّةُ، ولا أدري ما أصله. انتهى (¬1).
وقال الزمخشريّ في "الفائق": جَشِمتُ إليك عَرَقَ القربةِ، أو عَلَقَ القربةِ" هذا مثلٌ تضربه العرب في الشدّة والتعَبِ، وفيه أقاويل ذكرتها في "كتاب المستقصى في أمثال العرب".
وقال في "اللسان" بعد ذكر نحو ما تقدّم: وقيل: معناه جَشِمتُ إليك النَّصَبَ، والتعَبَ، والْغُرْمَ، والمؤونة حتى جَشِمتُ إليك عَرَقَ القِرْبة: أي عِرَاقَها الذي يُخْرَزُ حولها. ومن قال: عَلَقَ القربة أراد السُّيُور التي تُعلَّقُ بها. وقال ابن الأعرابيّ: كَلِفتُ إليكِ عرَقَ القربة، وعَلَقَ القربة، فأما عَرَقُها فعَرَقُك بها عن جَهْد حَمْلِها، وذلك لأن أشدّ الأعمال عندهم السَّقْيُ، وأما عَلَقُها فما شُدَّت به، ثم عُلِّقَت. وقال أيضًا: عَرَقُ القربة، وعَلَقُها واحدٌ، وهو مِعْلاقٌ تُحمَلُ به القربةُ، وأبدلوا الراء من اللام، كما قالوا: لَعَمْري، ورَعَفري انتهى (¬2).
(وَكُنْتُ) الظاهر أن القائل هو أبو العجفاء (غُلَامًا عَرَبِيًّا) أي منسوبًا إلى العرب، قال الفيّوميّ: ورجلُ عربيّ: ثابت النسب في العرب، وإن كان غير فصيح، وأعرب بالألف: إذا كان فصيحًا، وإن لم يكن من العرب انتهى (مُوَلَّدًا) بصيغة اسم المفعول، قال الفيّوميّ: ورجلٌ مُولَّدٌ بالفتح: عربيّ، غير مَخضٍ، وكلامٌ مولَّدٌ كذلك انتهى (فَلَمْ أَدْرِ مَا عَلَقُ القِرْبَةِ؟) يعني أنه لكونه مولَّدًا، وليس عربيًّا فصيحًا متقنًا لكلام العرب، لم يفهم معنى قول عمر - رضي اللَّه عنه -: "عَلَقَ القربة"، حيث إنها غريبة في الاستعمال لا تتداولها الألسن، فلا يفهمها إلا الفصيح المتقين للغة العرب، ولذا اختلف اللغويّون في تفسيرها، على ما قدمناه (قَالَ) عمر - رضي اللَّه عنه - (وَأُخْرَى) أي وخصلة أخرى غير مغالاة المهور، مكروهة شرعًا، ثم بين تلك الخصلة بقوله (يَقُولُونَهَا لِمَنْ قُتِلَ فِي مَغَازِيكُمْ) أي محلّ غزوكم، أو المغازي جمع مَغْزًى مصدرًا ميميًا: أي غزواتكم (أَوْ مَاتَ) عطفٌ على "قُتل" أي مات على فراشه، دون يقتله أحد (قُتِلَ فُلَانٌ شَهِيدًا) ببناء الفعل للمفعول، والجملة مقول "يقولونها" (أَوْ مَاتَ فُلَانٌ شَهِيدًا، وَلَعَلَّه) أي ذلك المقتول، أو الميت (أنْ يَكُونَ قَدْ أَوْقَرَ عَجُزَ دَابَّتِهِ) أي حَمَلها وِقْرًا، والوِقْر -بالكسر: الحملُ، وأكثر ما يُستَعمل في حِملِ البغل والحمار. قاله في "النهاية" (¬3) (أَوْ دَفَّ رَاحِلَتِهِ ذَهَبًا) الظاهر أن "أو"
¬__________
(¬1) " النهاية" 3/ 220 - 221 - و 290.
(¬2) "لسان العرب" 10/ 241 مادة عرق.
(¬3) "النهاية" 5/ 213.

الصفحة 46