كتاب ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (اسم الجزء: 28)

عند الختم، أي ختم القرآن، كذا قيّده، ويحتمل ختم قدر مقصود منه. ويحتمل أن يطرد ذلك في حِذقه لكلّ صناعة. وذكر المحامليّ في "الرونق" في الولائم "العَتِيرة" - بفتح المهملة، ثم مثنّاة مكسورة- وهي شاة تذبح في أول رجب. وتُعُقّب بأنها في معنى الأضحية، فلا معنى لذكرها مع الولائم.
وأما المأدبة، ففيها تفصيلٌ؛ لأنها إن كانت لقوم مخصوصين، فهي النَّقَرَى -بفتح النون والقاف، مقصورًا، وإن كانت عامّةً، فهي الْجَفَلَى -بجيم، وفاء، بوزن الأول-، قال الشاعر [من الرمل]:
نَحنُ فِي الْمَشتَاةِ نَدْعُو الْجَفَلَى ... لَا تَرَى الآدِبَ منَّا يَنْتَقِرْ
وَصَفَ قومه بالجود، وأنهم إذا صنعوا مأدبة دعوا إليها عمومًا، لا خصوصًا. وخصّ الشتاء؛ لأنها مظنّة قلّة الشيء، وكثرة احتياج من يُدعَي. و"الآدب": اسم الفاعل من المأدبة، وينتقر مشتقّ من النقَرَى. انتهى (¬1). واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة الخامسة): في اختلاف أهل العلم في حكم الوليمة:
قال ابن قدامة -رحمه اللَّه تعالى-: ما ملخّصه: لا خلاف بين أهل العلم في أن الوليمة سنّةٌ في الْعُرس مشروعة. قال: وليست واجبةً في قول أكثر أهل العلم. وقال بعض أصحاب الشافعيّ: هي واجبة. انتهى (¬2).
وقال البخاريّ -رحمه اللَّه تعالى- في "صحيحه": [باب الوليمةُ حقّ]. قال ابن بطّال: قوله: "الوليمة حقّ" أي ليست بباطل، بل يُندب إليها، وهي سنّة فضيلة، وليس المراد بالحقّ الوجوب، ثم قال: ولا أعلم أحدًا أوجبها.
قال الحافظ: كذا قال، وغفل عن رواية في مذهبه بوجوبها، نقلها القرطبيّ، وقال: إن مشهور المذهب أنها مندوبة. وابن التين عن مذهب أحمد، لكن الذي في "المغني" أنها سنّة. بل وافق ابن بطال في نفي الخلاف بين أهل العلم في ذلك، قال: وقال بعض الشافعيّة: هي واجبة؛ لأن النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - أمر بها عبد الرحمن بن عوف، ولأن الإجابة إليها واجبة، فكانت واجبة. وأجاب بأنه طعام لسرور حادثٍ، فأشبه سائر الأطعمة، والأمر محمول على الاستحباب، بدليل ما ذكرناه، ولكونه أمره بشاة، وهي غير واجبة اتفاقًا. وأما البناء فلا أصل له.
¬__________
(¬1) "فتح" 10/ 301 - 302
(¬2) "المغني" 10/ 192 - 193.

الصفحة 63