كتاب ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (اسم الجزء: 28)

كما أفاده في "الفتح" (¬1).
والحاصل أن إجابة الدعوة فرض عين. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة السادسة): في اختلاف أهل العلم في حكم إجابة الدعوة غير العُرْس:
ذهبت طائفة إلى وجوب الإجابة مطلقًا، وذهب الأكثرون إلى أن الوجوب يخصّ العرس فقط، وأما غيرها فتستحبّ إجابتها، وإلى المذهب الأول مال الإمام البخاريّ -رحمه اللَّه تعالى-، حيث قال في "صحيحه":
[باب إجابة الداعي في العُرس وغيره]: ثم أخرج بسنده عن نافع، قال: سمعت عبد اللَّه بن عمر - رضي اللَّه تعالى عنهما - يقول: قال رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -: "أجيبوا هذه الدَّعْوة إذا دُعيتم إليها"، قال: كان عبد اللَّه يأتي الدعوة في العُرس وغير العرس، وهو صائم انتهى.
قال في "الفتح": قوله: "كان عبد اللَّه" القائل هو نافع. وقد أخرج مسلمٌ من طريق عبد اللَّه بن نمير، عن عبيد اللَّه بن عمر العمريّ، عن نافع بلفظ: "إذا دُعي أحدكم إلى وليمة عرس، فليجب". وأخرجه مسلم، وأبو داود من طريق أيوب، عن نافع بلفظ: "إذا دعا أحدكم أخاه، فليجب عُرسًا كان، أو نحوه"، ولمسلم من طريق الزُّبيديّ، عن نافع، بلفظ: "من دُعي إلى عرس، أو نحوه فليُجب". وهذا يؤيّده ما فهمه ابن عمر أن الأمر بالإجابة لا يختصّ بطعام العرس.
وقد أخذ بظاهر الحديث بعض الشافعيّة، فقال بوجوب الإجابة إلى الدعوة مطلقًا عُرسًا كان، أو غيره بشرطه، ونقله ابن عبد البرّ عن عبيد اللَّه بن الحسن العنبريّ قاضي البصرة، وزعم ابن حزم أنه قولُ جمهور الصحابة والتابعين، ويكعُرُ عليه (¬2) ما نقلناه عن عثمان بن أبي العاص، وهو من مشاهير الصحابة أنه قال في وليمة الختان: لم يكن يُدعى لها، لكن يمكن الانفصال عنه بأنّ ذلك لا يمنع القول بالوجوب لو دعوا. وعند عبد الرزاق بإسناد صحيح عن ابن عمر أنه دعا بالطعام، فقال رجلٌ من القوم: أعفني، فقال ابن عمر: إنه لا عافية لك من هذا، فقم. وأخرج الشافعيّ، وعبد الرزاق بسند صحيح، عن ابن عبّاس أن ابن صفوان دعاه، فقال: إني مشغول، وإن لم تُعفني جئته.
¬__________
(¬1) "فتح" 10/ 306.
(¬2) قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: أثر عثمان بن أبي العاص - رضي اللَّه عنه - هذا لا يصحّ؛ لأن في سنده عنعنة ابن إسحاق، والحسن البصريّ، وهما مشهوران بالتدليس، فلا يعكر على ما قاله ابن حزم، فتنبّه.

الصفحة 65