كتاب ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (اسم الجزء: 28)

وجزم بعدم الوجوب في غير وليمة النكاح المالكيّة، والحنفيّة، والحنابلة، وجمهور الشافعيّة، وبالغ السرخسيّ منهم، فنقل فيه الإجماع، ولفظ الشافعيّ: إتيان دعوة الوليمة حقّ، والوليمة التي تعرف وليمة العرس، وكلّ دعوة دُعي إليها رجلٌ وليمةٌ، فلا أُرخّص لأحد في تركها، ولو تركها لم يتبيّن لي أنه عاص في تركها كما تبيّن لي في وليمة العرس. انتهى (¬1).
قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: قد تبيّن مما تقدّم من الأدلّة أن أرجح الأقوال هو القول بوجوب إجابة الدعوة مطلقًا، لقوّة أدلّته، ولم يأت القائلون بالفرق بين العرس وغيرها بدليل صحيح، صريح، فتبصّر بالإنصاف، ولا تَتَهَوَّرْ بالاعتساف. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة السابعة): في اختلاف أهل العلم في وقت الوليمة، هل هو عند العقد، أو عقبه، أو عند الدخول، أو عقبه، أو موسّعٌ من ابتداء العقد إلى انتهاء الدخول؟ على أقوال:
قال النووي: اختلفوا، فحكى عياضٌ أن الأصحّ عند المالكيّة استحبابه بعد الدخول، وعن جماعة منهم أنه عند العقد، وعند ابن حبيب عند العقد، وبعد الدخول. وقال في موضع آخر: يجوز قبل الدخول وبعده. وذكر ابن السبكيّ أن أباه قال: لم أر في كلام الأصحاب تعيين وقتها، وأنه استنبط من قول البغويّ: ضرب الدفّ في النكاح جائزٌ في العقد، والزفاف، قبلُ وبعدُ قريبًا منه، أن وقتها موسّعٌ من حين العقد، قال: والمنقول من فعل النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - أنها بعد الدخول، كأنه يشير إلى قصّة زينب بنت جحش - رضي اللَّه تعالى عنها -، وقد ترجم البيهقيّ في وقت الوليمة انتهى.
قال الحافظ: وما نفاه من تصريح الأصحاب متعقّبٌ بأن الماورديّ صرّح بأنها عند الدخول، وحديث أنس - رضي اللَّه عنه - في هذا الباب صريح في أنها بعد الدخول لقوله فيه: "أصبح عروسًا بزينب، فدعا القوم". واستحبّ بعض المالكيّة أن تكون عند البناء، ويقع الدخول عقبها، وعليه عمل الناس اليوم، ويؤيّد كونها للدخول، لا للإملاك أن الصحابة بعد الوليمة تردّدوا، هل هي زوجةٌ، أو سُرّيّةٌ، فلو كانت الوليمة عند الإملاك لعرفوا أنها زوجة؛ لأن السّرّيّة لا وليمة لها، فدلّ على أنها عند الدخول، أو بعده انتهى (¬2).
قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: عندي أن كونها بعد الدخول هو الأرجح؛ لحديث أنس - رضي اللَّه عنه - المتقدّم في قصّة زينب - رضي اللَّه تعالى عنها -، فإنه صريحٌ في ذلك. واللَّه
¬__________
(¬1) "فتح" 10/ 308
(¬2) "فتح" 10/ 288 - 289.

الصفحة 66