كتاب ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (اسم الجزء: 28)

أول يوم حقّ، وطعام يوم الثاني سنةٌ، وطعام يوم الثالث سمعة، ومن سمّع سمّع اللَّه به"، وقال: لا نعرفه إلا من حديث زياد بن عبد اللَّه البكائيّ، وهو كثير الغرائب، والمناكير. قال الحافظ: وشيخه فيه عطاء بن السائب، وسماع زياد منه بعد اختلاطه، فهذه علّته. وعن ابن عباس رفعه: "طعام في العرس يوم سنّة، وطعام يومين فضلٌ، وطعام ثلاثة أيام رياء وسمعة". أخرجه الطبرانيّ بسند ضعيف.
وهذه الأحاديث، وإن كان كلّ منها لا يخلو عن مقال، فمجموعها يدلّ على أن للحديث أصلًا.
وقد وقع في رواية أبي داود، والدارميّ في آخر حديث زهير بن عثمان: "قال قتادة: بلغني عن سعيد بن المسيّب أنه دُعي أول يوم وأجاب، ودعي ثاني يوم فأجاب، ودُعي ثالث يوم فلم يُجب، وقال: أهل رياء وسمعة"، فكأنه بلغه الحديث، فعمل بظاهره، إن ثبت ذلك عنه.
وقد عمل به الشافعيّة، والحنابلة، قال النوويّ: إذا أولم ثلاثًا، فالإجابة في اليوم الثالث مكروهة، وفي الثاني لا تجب قطعًا، ولا يكون استحبابها فيه كاستحبابها في اليوم الأول. وقد حكى صاحب "التعجيز" في وجوبها في اليوم الثاني وجهين، وقال في "شرحه": أصحّهما الوجوب، وبه قطع الجرجانيّ؛ لوصفه بأنه معروفٌ، أو سنةٌ، واعتبر الحنابلة الوجوب في اليوم الأول، وأما الثاني فقالوا: سنةٌ؛ تمسّكًا بظاهر لفظ حديث ابن مسعود. وفيه بحث.
وأما الكراهة في اليوم الثالث، فأطلقه بعضهم؛ لظاهر الخبر. وقال العمرانيّ: إنما تكره إذا كان المدعوّ في الثالث هو المدعوّ في الأول، وكذا صوّره الرويانيّ، واستبعده بعض المتأخّرين، وليس ببعيد؛ لأن إطلاق كونه رياء وسمعة يُشعر بأن ذلك صنع للمباهاة، وإذا أكثر الناس، فدعا في كلّ يوم فرقةً لم يكن في ذلك مباهاةٌ غالبًا.
وإلى ما جنح إليه البخاريّ ذهب المالكيّة، قال عياضٌ: استحبّ أصحابنا لأهل السعة كونها أسبوعًا، قال: وقال بعضهم: محلّه إذا دعا في كلّ يوم من لم يدع قبله، ولم يُكرّر عليهم. وهذا شبيهٌ بما تقدّم عن الرويانيّ، وإذا حملنا الأمر في كراهة الثالث على ما إذا كان هناك رياء وسمعةٌ، ومباهاةٌ كان الرابع، وما بعده كذلك، فيمكن حمل ما وقع من السلف من الزيادة على اليومين عند الأمن من ذلك، وإنما أطلق ذلك على الثالث لكونه الغالب. واللَّه أعلم (¬1).
¬__________
(¬1) "صحيح البخاريّ مع الفتح" 10/ 300 - 304.

الصفحة 68