كتاب ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (اسم الجزء: 29)

ذلك الحافظ ابن رجب -رحمه اللَّه تعالى- في "شرح علل الترمذيّ"، ونصّ عبارته -رحمه اللَّه تعالى- فيه:
"وقد اعتُرِض على الترمذيّ -رحمه اللَّه تعالى- بأنه في غالب الأبواب يبدأ بالأحاديث الغريبة الإسناد غالبًا. وليس ذلك بعيب، فإنه -رحمه اللَّه تعالى- يُبّين ما فيها من العلل، ثم يبيّن الصحيح في الإسناد، وكأنّ قصده -رحمه اللَّه تعالى- ذكر العدل، ولهذا تجد النسائيّ إذا استوعب طرق الحديث بدأ بما هو غلطٌ، ثم يذكر بعد ذلك الصواب المخالف له" انتهى كلام ابن رجب -رحمه اللَّه تعالى- (¬1).
والحاصل أن المصنّف -رحمه اللَّه تعالى- أورد في الباب السابق حديث عائشة - رضي اللَّه تعالى - عنها من رواية الأسود عنها، وفيه: "وكان زوجها حرًّا"، ثم أورد حديثها في هذا الباب من رواية عروة، عنها، وفيه: "وكان زوجها عبدًا"، ومن طريق سماك، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن عائشة، وفيه: "وكان زوجها عبدًا"، ومن طريق شعبة، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، عنها، وفيه: "وكان زوجها عبدًا"، ثمّ قال بعد ذلك: ما أدري الخ.
ففي هذه الروايات ما يرجّح أن رواية الأسود "وكان زوجها حرًّا" مرجوحةٌ.
وقد رجّح الإمام البخاريّ -رحمه اللَّه تعالى- في "صحيحه" أيضًا رواية كونه عبدًا، حيث قال: "باب خيار الأمة تحت العبد"، ثم أخرج بسنده من طريق قتادة، عن عكرمة عن ابن عبّاس - رضي اللَّه تعالى عنهما -، قال: رأيته عبدًا -يعني زوج بريرة، ومن طريق أيوب، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: ذاك مُغيث عبد بني فلان -يعني زوج بَريرة- كأني انظر إليه يتبعها في سكك المدينة، يبكي عليها.
قال في "الفتح": وهذا مصير من البخاريّ إلى ترجيح قول من قال: إن زوج بريرة كان عبدًا، وقد ترجم في أوائل "النكاح" بحديث عائشة في قصّة بريرة "باب الحرّة تحت العبد" وهو جزمٌ منه أيضًا بأنه كان عبدًا. قال: واعترض عليه هناك ابن المنيّر بأنه ليس في حديث الباب أن زوجها كان عبدًا، وإثبات الخيار لها لا يدلّ؛ لأن المخالف يدّعي أن لا فرق في ذلك بين الحرّ والعبد.
والجواب أن البخاريّ جرى على عادته من الإشارة إلى ما في بعض طرق الحديث الذي يورده، ولا شكّ أن قصّة بريرة لم تتعدّد، وقد رجح عنده أن زوجها كان عبدًا، فلذلك جزم به انتهى (¬2).
¬__________
(¬1) "شرح علل الترمذي" ص 236 بتحقيق صبحي السامرّائيّ.
(¬2) "فتح" 10/ 510 - 511. "كتاب الطلاق".

الصفحة 28