كتاب ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (اسم الجزء: 29)

كانوا يتعاملون بالعدّ إلى مقدم رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - المدينة، ثم أُمروا بالوزن. وفيه نظر؛ لأن قصّة بريرة متأخّرة عن مقدمه - صلى اللَّه عليه وسلم - بنحو ثمان سنين، لكن يحتمل قول عائشة: "أعدّها لهم عدّة واحدة": أي أدفعها لهم، وليس مرادها حقيقة العدّ، ويؤيّده قولها في طريق عمرة: "أن أصُبّ لهم ثمنكِ صبّةً واحدةً". قاله في "الفتح" (وَيَكُونُ الْوَلَاءُ لِي) وفي رواية للبخاريّ: "فإن أحبّوا أن أقضي عنك كتابتك، ويكون ولاؤك لي فعلتُ". قال في "الفتح": وظاهره أن عائشة طلبت أن يكون الولاء لها إذا بذلت جميع مال الكتابة، ولم يقع ذلك، إذ لو وقع ذلك لكان اللوم على عائشة بطلبها ولاء من أعتقها غيرها، وقد رواه أبو أسامة، عن هشام بلفظ يزيل الإشكال، فقال بعد قوله: "أن أعدّها لهم عدّة واحدة، وأُعتقك، ويكون ولاؤك لي فعلت"، وكذلك رواه وهيب، عن هشام، فعرف بذلك أنها أرادت أن تشتريها شراء صحيحًا، ثم تُعتقها، إذ العتق فرع ثبوت الملك. ويؤيّده قوله في بقيّة حديث الزهريّ: "ابتاعي، فأعتقي"، وهو يفسّر قوله في رواية مالك، عن هشام: "خذيها"، ويوضّح ذلك أيضًا قوله في طريق أيمن: "دخلت عليّ بريرة، وهي مكاتبة، فقالت: اشتريني، وأعتقيني، قالت: نعم"، وقوله في حديث عمر: "أرادت عائشة أن تشتري جارية، فتُعتقها". وبهذا يتجه الإنكار على موالي بريرة، إذ وافقوا عائشة على بيعها، ثمّ أرادوا أن يشترطوا أن يكون الولاء لهم. ويؤيّده قوله في رواية أيمن: "قالت: لا تبيعوني حتى تشترطوا ولائي". وفي رواية الأسود، عن عائشة: "اشتريت بريرةَ لأعتقها، فاشترط أهلها ولاءها". انتهى (¬1).
(فَذَهَبَتْ بَرِيرَةُ، فَكَلَّمَتْ فِي ذَلِكَ) أي فيما قالته عائشة - رضي اللَّه تعالى عنها - (أَهْلَهَا)، المراد بالأهل هنا السادة، والأهل في الأصل الآل، وفي الشرع من تلزمه نفقته على الأصحّ عند الشافعيّة. قاله في "الفتح" (¬2) (فَأَبَوْا عَلَيْهَا، إِلَّا أَنْ يَكُونَ الْوَلَاءُ لَهُمْ، فَجَاءَتْ إِلَى عَائِشَةَ، وَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى اللَّه عليه وسلم - عِنْدَ ذَلِكَ) أي عند مجيئها إلى عائشة، راجعةً من أهلها بعد رفضهم ما قالته عائشة (فَقَالَتْ: لَهَا) أي قالت بريرة لعائشة - رضي اللَّه تعالى عنهما - (مَا قَالَ أَهْلُهَا) من اشتراط ولائها لهم (فَقَالَتْ: لَا) أي لا أشتري، ولا أعُدّ الدراهم (هَا اللَّهِ) كدمة "ها" بدل من واو القسم، وما بعدها مجرور، يقال: "ها اللَّهِ" موضع "واللَّه" بقطع الهمزة، مع إثبات ألفها، وحذفه (إِذًا) أي إذا شرطوا الولاء لأنفسهم.
[فائدة]: قال السيوطيّ -رحمه اللَّه تعالى- في "شرحه": قد تكلّم الناس قديمًا وحديثًا
¬__________
(¬1) "فتح" 8/ 499. "كتاب المكاتب".
(¬2) 8/ 499. "كتاب المكاتب".

الصفحة 31