كتاب ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (اسم الجزء: 29)

على هذه اللفظة، وقالوا: إنّ المحدّثين يروونها هكذا، وأنه خطأ، والصواب: لا ها اللَّه ذا، بإسقاط الألف من "ذا"، وقد ألّفتُ في ذلك تأليفًا حسنًا، وأودعته برُمّته في كتاب "إعراب الحديث" انتهى (¬1).
قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: دعوى الغلط والتصحيف على المحدّثين، مع كثرة وقوعه في الأحاديث، اتباعًا لقول بعض النحاة غير صحيح، بل التركيب هذا فصيح، وتوجيهه واضح، كما قال بعض المحقّقين.
وأحسن من لَخّص أقوال العلماء في ذلك، واستوفى البحث حقّه، بإيجاز هو الحافظ ابن حجر -رحمه اللَّه تعالى- في "شرح البخاري" في شرحه حديثَ أبي قتادة - رضي اللَّه عنه - (¬2)، فقال -عند شرح قوله: "فقال أبو بكر الصدّيق: لا ها اللَّه، إذا لا يعمد إلى أسد من أُسُد اللَّه، يقاتل عن اللَّه ورسوله، فيُعطيك سلبه" -:
ما نصّه: هكذا ضبطناه في الأصول المعتمدة من "الصحيحين"، وغيرهما بهذه الأحرف: "لا ها اللَّه إذا"، فأما "لا ها اللَّه"، فقال الجوهريّ: ها للتنبيه، وقد يُقسم بها، يقال: لا ها اللَّه، ما فعلت كذا.
قال ابن مالك: فيه شاهدٌ على جواز الاستغناء عن واو القسم بحرف التنبيه، قال: ولا يكون ذلك إلا مع "اللَّه"، أي لم يُسمع "لا ها الرحمن"، كما سُمع "لا والرحمن"، قال: وفي النطق بها أربعة أوجه:
[أحدها]: ها اللَّه باللام بعد الهاء بغير إظهار شيء من الألفين.
[ثانيها]: مثله، لكن بإظهار ألف واحدة بغير همز، كقولهم: "التقت حلقتا البطان".
¬__________
(¬1) "زهر الربى" 69/ 164 - 165. والكتاب الذي أشار إليه هو كتابه "عقود الزبرجد على مسند الإمام أحمد"، راجعه ج2 ص185.
(¬2) هو ما أخرجه البخاريّ في "صحيحه"، ونصه في "كتاب المغازي":
4322 - حدثنا عبد اللَّه بن يوسف، أخبرنا مالك، عن يحيى بن سعيد، عن عمر بن كثير بن أفلح، عن أبي محمد، مولى أبي قتادة، عن أبي قتادة، قال: خرجنا مع النبي - صلى اللَّه عليه وسلم - عام حنين، فلما التقينا كانت للمسلمين جولة، فرأيت رجلاً من المشركين، قد علا رجلاً من المسلمين، فضربته من وراثه، على حَبْل عاتقه بالسيف، فقطعت الدرع، وأقبل علي، فضمني ضمة، وجدت منها ريح الموت، ثم أدركه الموت، فأرسلني، فلحقت عمر بن الخطاب، فقلت: ما بال الناس؟، قال: أمر اللَّه -عَزَّ وَجَلَّ-، ثم رجعوا، وجلس النبي - صلى اللَّه عليه وسلم -، فقال: "من قتل قتيلا، له عليه بينة، فله سلبه"، فقلت: من يشهد لي، ثم جلست، قال: ثم قال النبي - صلى اللَّه عليه وسلم -، فقمت، فقلت: من يشهد لي، ثم جلست، قال: ثم قال النبي - صلى اللَّه عليه وسلم - مثله، فقمت، فقال: "مالك يا أبا قتادة؟ "، فأخبرته، فقال رجل: صدق، وسلبه عندي، فَأَرْضِهِ مني، فقال أبو بكر: لاها اللَّه، إذا لا يعمد إلى أسد من أسد اللَّه، يقاتل عن اللَّه ورسوله - صلى اللَّه عليه وسلم -، فيعطيك سلبه، فقال النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -: "صدق، فأعطه"، فأعطانيه، فابتعت به مخرفا ني بني سَلِمَةَ، فإنه لأول مال تأثلته في الإسلام.

الصفحة 32