كتاب ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (اسم الجزء: 29)

عادة الناس في مثل ذلك الشغل، وأما الشرع، فقد نهى - صلى اللَّه عليه وسلم - عن جداد الليل. ولا يقال: فيلزم من إطلاقه أن تخرج بالليل، إذ قد يكون نخلها بعيدًا، تحتاج إلى المبيت فيه، لأنا نقول: لا يلزم ذلك من هذا الحديث؛ لأن نخلهم لم يكن الغالب عليها البعد من المدينة، بحيث يُحتاج إلى المبيت، وإنما هي بحيث يُخرَج إليها، ويُرجَع منها في النهار. انتهى كلام القرطبيّ (¬1).
قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: الذي يظهر لي أن المتوفّى عنها زوجها، والمطلّقة طلاقًا بائنًا لهنّ الخروج لحوائجهنّ مطلقًا، ليلًا، أو نهارًا، ثم يعدن إلى بيوتهنّ؛ لإطلاق حديث جابر - رضي اللَّه تعالى عنه -، فإنه - صلى اللَّه عليه وسلم - لما قال لها: "اخرجي، فجدّي" ما قيّده، لا بليل، ولا بنهار، فيعمل بعمومه، وأما المطلّقة طلاقًا رجعيًّا، فلا تخرج مطلقًا، إلا لما استثناه اللَّه تعالى في كتابه حيث قال سبحانه وتعالى: {لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} الآية (¬2). واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
"إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت، وما توفيقي إلا باللَّه، عليه توكلت، وإليه أنيب".
...

72 - (بَابُ نَفَقَةِ الْبَائِنَةِ)
قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: هكذا عبارة المصنّف -رحمه اللَّه تعالى- هنا، وفي "الكبرى" "البائنة" بالهاء، وهو صفة للمرأة، والذي في كتب اللغة أن صفة المرأة بغير هاء، وأما بالهاء، فهو صفة للتطليقة. قال في "اللسان": وبانت المرأة عن الرجل، وهي بائنٌ: انفصلت عنه بطلاق، وتطليقة بائنة، بالهاء لا غير، وهي فاعلة بمعنى مفعولة، أي تطليقة ذات بينونة، ومثله عيشة راضية، أي ذات رضًا انتهى. ونحوه في "القاموس". وفي "المصباح": وبانت المرأة بالطلاق، فهي بائنٌ، بغير هاء، وأبانها زوجها بالألف، فهي مبانةٌ. قال ابن السكّيت في "كتاب التوسعة": وتطليقة بائنة،
¬__________
(¬1) "المفهم" 4/ 279.
(¬2) انظر ما كتبه ابن حزم في "المحلّى" -10/ 282 - 303 - في هذه المسألة، وإن كنت لا أوافقه في بعض أبحاثه، لكنه -رحمه اللَّه تعالى- أجاد في كثير منه.

الصفحة 324