كتاب ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (اسم الجزء: 29)

في قصّة جُلَيبيب. (ومنها): حديث عائشة في قصّة صفيّة لَمّا قال - صلى اللَّه عليه وسلم -: "أحابستنا هي؟ وقال: إنها طافت بعد ما أفاضت، فقال: فلتنفر إذًا". (ومنها): حديث عمرو بن العاص وغيره في سؤاله عن أحبّ الناس "فقال: عائشة، فقال: لم أعن النساء؟، قال: فأبوها إذًا". (ومنها): حديث ابن عباس في قصّة الأعرابيّ الذي أصابته الحمّى، فقال: "بل حمّى تفور، على شيخ كبير، تُزيره القبور، قال: فنعم إذًا". (ومنها): ما أخرجه الفاكهيّ من طريق سفيان قال: "لقيت ليطة بن الفرزدق، فقلت: أسمعت هذا الحديث من اْبيك؟ قال: أي ها اللَّه إذًا، سمعت أبي يقوله"، فذكر القصّة. (ومنها): ما أخرجه عبد الرزاق، عن ابن جُريج، قال: "قلت لعطاء: أرأيت لو أني فرغت من صلاتي، فلم أرض كمالها، أفلا أعود لها؟ قال: بلى ها اللَّه إذًا". قال الحافظ: والذي يظهر من تقدير الكلام بعد أن تقرّر أن "إذا" حرف جواب وجزاء أنه كانه قال: إذًا واللَّه أقول لك: نعم، وكذا في النفي كانه أجابه بقوله: إذًا واللَّه لا نعطيك، إذا واللَّه لا أشترط، إذا واللَّه لا ألبس، وأخر حرف الجواب في الأمثلة كلّها. وقد قال ابن جريج في قوله تعالى: {أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ فَإِذًا لَا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا}: فلا يؤتون الناس إذًا، وجعل ذلك جوابًا عن عدم النصيب بها، مع أن الفعل مستقبل. وذكر أبو موسى المدينيّ في "المغيث، له في قوله تعالى: {وَإِذًا لَا يَلْبَثُونَ خِلَافَكَ إِلَّا قَلِيلًا} إذًا قيل: هو اسم بمعنى الحروف الناصبة، وقيل: أصله إذًا الذي هو من ظروف الزمان، وإنما نوّن للفرق، ومعناه حينئذ: أي إن أخرجوك من مكة، فحينئذ لا يلبثون خلفك إلا قليلاً. وإذا تقرّر ذلك أمكن حمل ما ورد من هذه الأحاديث عليه، فيكون التقدير: لا واللَّه حينئذ، ثم أراد بيان السبب في ذلك، فقال: لا يعمد الخ. واللَّه أعلم.
قال الحافظ -رحمه اللَّه تعالى-: وإنما أطلت في هذا الموضع لأنني منذ طلبت الحديث، ووقفت على كلام الخطّابيّ وقعت عندي نفرةٌ للإقدام على تخطئة الروايات الثابتة، خصوصًا ما في "الصحيحين"، فما زلت أتطلّب الْمَخْلَصَ من ذلك إلى أن ظفرت بما ذكرته، فرأيت إثباته كلّه هنا. انتهى كلام الحافظ -رحمه اللَّه تعالى- (¬1)، وهو بحث نفيس جدًّا. واللَّه تعالى أعلم بالصواب.
(إِلَّا أَنْ يَكُونَ الْوَلَاءُ لِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى اللَّه عليه وسلم -: "مَا هَذَا؟! ") وفي رواية: "فسمع بذلك رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -، فسألني، فأخبرته". وفي رواية مالك، عن هشام: "فجاءت من عندهم، ورسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - جالسٌ، فقال: إني عرضتُ عليهم، فأبوا، فسمع النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -".
¬__________
(¬1) "فتح" 8/ 356 - 359 "كتاب المغازي".

الصفحة 36