كتاب ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (اسم الجزء: 29)

وفي رواية: "فسمع بذلك النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -، أو بلغه"، زاد في رواية: "فقال: ما شأن بريرة؟ ". وفي رواية عند مسلم، وابن خزيمة: "فجاءتني بريرة، والنبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - جالسٌ، فقالت لي فيما بيني وبينها: ما أراد أهلها، فقلت: لا ها اللَّه إذًا، ورفعت صوتي، وانتهرتها، فسمع ذلك النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -، فسألني، فأخبرته"، لفظ ابن خزيمة. قاله في "الفتح" (فَقَالَتْ:: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ بَرِيرَةَ أَتَتْنِي، تَسْتعِينُ بِي عَلَى كِتَابَتِهَا، فَقُلْتُ: لَا، إِلاَّ أَنْ يَشَاءُوا أَنْ أَعُدَّهَا لَهُمْ عَدَّةً وَاحِدَةً، وَيكُونُ الْوَلاءُ لِي، فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لِأَهْلِهَا، فَأَبَوْا عَلَيْهَا، إِلَّا أَنْ يَكُونَ الْوَلَاءُ لَهُمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى اللَّه عليه وسلم -: "ابْتَاعِيهَا" وفي رواية: "خذيها، فأعتقيها". وفي رواية: "ابتاعي، فأعتقي"، وفي حديث ابن عمر - رضي اللَّه تعالى عنهما -: "لا يمنعك ذلك" (وَاشْتَرِطِي لَهُمُ الوَلَاءَ) قال ابن عبد البرّ، وغيره: كذا رواه أصحاب هشام، عن عروة، وأصحاب مالك، عن هشام، واستُشكل صدور الإذن منه - صلى اللَّه عليه وسلم - في البيع على شرط فاسدٍ، واختلف العلماء في ذلك: فمنهم من أنكر الشرط في الحديث، فروى الخطّابي في "المعالم" بسنده إلى يحيى بن أكثم أنه أنكر ذلك. وعن الشافعيّ في "الأمّ" الإشارة إلى تضعيف رواية هشام المصرّحة بالاشتراط؛ لكونه انفرد بها، دون أصحاب أبيه، وروايات غيره قابلة للتأويل. وأشار غيره إلى أنه رَوَى بالمعنى الذي وقع له، وليس كما ظنّ. وأثبت آخرون، وقالوا: هشام ثقةٌ حافظٌ، والحديث متّفقٌ على صحّته، فلا وجه لردّه. ثمّ اختلفوا في توجيهها: فزعم الطحاويّ أن المزنيّ حدّث به عن الشافعيّ بلفظ "وأشرطي دا بهمزة قطع، بغير تاء مثنّاة، ثمّ وجّهه بأنّ معناه: أظهري لهم حكم الولاء، والإشراط الإظهار، قال أوس بن حجر:
فَأَشْرَطَ فِيهَا نَفْسَهُ وَهُوَ مُعْصِمٌ (¬1)
أي أظهر نفسه انتهى. وأنكر غيره الرواية. والذي في "مختصر المزنيّ"، و"الأمّ"، وغيرهما عن الشافعيّ كرواية الجمهور: "واشترطي" بصيغة أمر المؤنّث من الشرط، ثمّ حكى الطحاويّ أيضًا تأويل الرواية التي بلفظ "اشترطي"، وأن اللام في قوله: "اشترطي لهم " بمعنى "على"، كقوله تعالى: {وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا}، وهذا المشهور عن المزنيّ، وجزم به الخطّابيّ، وهو صحيحٌ عن الشافعيّ، أسنده البيهقيّ في "المعرفة" من طريق أبي حاتم الرازيّ، عن حرملة، عنه. وحكى الخطّابيّ، عن ابن خزيمة أن قول يحيى بن اْكثم غلطٌ، والتأويل المنقول عن المزنيّ لا يصحّ.
وقال النوويّ: تأويل اللام بمعنى "على" هنا ضعيف؛ لأنه - صلى اللَّه عليه وسلم - أنكر الاشتراط، ولو
¬__________
(¬1) صدر بيت من "الطويل"، وعجزه: وَأَلْقَى بِأَسْبَابٍ لَهُ وَتَوَكَّلَا راجع "لسان العرب" في مادّة "شرط".

الصفحة 37