كتاب ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (اسم الجزء: 29)

الشارع. وقد تعقّبه ابن دقيق العيد بأن التخصيص لا يثبت إلا بدّليل، ولأن الشافعيّ نصٌّ على خلاف هذه المقالة.
ثمّ إن ما ذكره في فسخ الحجّ ضعيفٌ أيضًا، إذ الحقّ أن فسخ الحجّ إلى العمرة ليس خاصًّا بتلك الحجّة، بل عامّ إلى يوم القيامة، وقد تقدّم تحقيق هذه المسألة بأدلّتها في "كتاب الحجّ"، فراجعه تستفد. واللَّه تعالى أعلم.
قال: ويُستفاد منه ارتكاب أخفّ المفسدتين، إذا استلزم إزالة أشدّهما. وتُعُقّب بأنه استدلالٌ بمختلف فيه على مختلف فيه.
وقال ابن الجوزيّ: ليس في الحديث أن اشتراط الولاء والعتق كان مقارنًا للعقد، فيُحمل على أنه كان سابقًا للعقد، فيكون الأمر بقوله: "اشترطي" مجرّد الوعد، ولا يجب الوفاء به. وتُعُقّب باستبعاد أنه - صلى اللَّه عليه وسلم - يأمر شخصًا أن يعد مع علمه بأنه لا يفي بذلك الوعد. وأغرب ابن حزم، فقال: كان الحكم ثابتًا بجواز اشتراط الولاء لغير المعتق، فوقع الأمر باشتراطه في الوقت الذي كان جائزًا فيه، ثم نُسخ ذلك الحكم بخطبته - صلى اللَّه عليه وسلم -، وبقوله: "إنما الولاء لمن أعتق"، ولا يخفى بعد ما قال، وسياق طرق الحديث يدفع في وجه هذا الجواب. واللَّه المستعان.
وقال الخطّابيّ: وجه هذا الحديث أن الولاء لَمّا كان كلُحْمة النسب، والإنسان إذا وُلد له ولدٌ ثبت له نسبه، ولا ينتقل نسبه عنه، ولو نُسب إلى غيره، فكذلك إذا أعتَقَ عبدًا ثبت له ولاؤه، ولو أراد نقل ولأئه عنه، أو أذن في نقله عنه لم ينتقل، فلم يعبأ باشتراطهم الولاء، وقيل: "اشترطي"، و"دعيهم يتشترطون ما شاؤوا"، ونحو ذلك؛ لأن ذلك غير قادحٍ في العقد، بل هو بمنزلة اللغو من الكلام، وأَخّر إعلامهم بذلك؛ ليكون ردّه، وإبطاله قولاً شهيرًا، يُخطب به على المنبر ظاهرًا، إذ هو أبلغ في النكير، وأوكد في التعبير انتهى. وهو يؤول إلى أن الأمر فيه بمعنى الإباحة، كما تقدّم. قاله في "الفتح" (¬1).
(فَإِنّ الْوَلَاءَ لِمَنْ أَعْتَقَ) وفي رواية: "إنما الولاء لمن أعتق". ويستفاد منها أن كلمة "إنما" للحصر، وهو إثبات الحكم للمذكور، ونفيه عما عداه، ولولا ذلك لما لزم من إثبات الولاء للمعتق نفيه عن غيره. واستُدلّ بمفهومه على أنه لا ولاء لمن أسلم على يديه رجل، أو وقع بينه وبينه محالفة؛ خلافًا للحنفيّة. ولا للملتقط، خلافًا لإسحاق.
ويستفاد من منطوقه إثبات الولاء لمن أعتق سائبة، خلافًا لمن قال: يصير ولاؤه
¬__________
(¬1) 5/ 502 - 503. "كتاب المكاتب".

الصفحة 39