كتاب ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (اسم الجزء: 30)
6693 و 6741 و 6893 و 6951. واللَّه تعالى أعلم.
(المسألة الثالثة): في فوائده:
(منها): ما ترجم له المصنّف -رحمه اللَّه تعالى-، وهو بيان حكم اليمين فيما لا يملكه الإنسان، وهو أنه لا يلزمه الوفاء به. (ومنها): أن من نذر بشيء لا يملكه لا يلزمه الوفاء به أيضًا. (ومنها): أنه لا يجوز الحلف، ولا النذر بالمعصية، فلو فعل وجب عليه أن لا يفعله. (ومنها): أنه لو حلف، أو نذر أن يقطع رحمه حرم عليه ذلك، ووجب عليه الوصل. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع، والمآب.
(المسألة الرابعة): أنه استُدلّ بهذا الحديث على صحّة النذر في المباح؛ لأن فيه نفي النذر في المعصية، فبقي ما عداه ثابتًا. واحتجّ من قال: إنه يُشرع في المباح بما أخرجه أبو داود، من طريق عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جدّه، وأخرجه أحمد، والترمذيّ من حديث بُريدة - رضي اللَّه عنه -: أن امرأةً قالت: يا رسول اللَّه، إني نذرت أن أضرب على رأسك بالدّفّ، فقال: "أوف بنذرك"، وزاد في حديث بُريدة أن ذلك وقت خروجه في غزوة، فنذرت إن ردّه اللَّه تعالى سالمًا. قال البيهقيّ: يُشبه أن يكون أذن لها في ذلك لما فيه من إظهار الفرح بالسلامة، ولا يلزم من ذلك القول بانعقاد النذر به، ويدلّ على أن النذر لا ينعقد في المباح ما أخرجه البخاريّ -6704 - من حديث ابن عبّاس - رضي اللَّه عنهما -، قال: بينا النبيّ - رضي اللَّه عنه - يخطب، إذا هو برجل قائم، فسأل عنه، فقالوا: أبو إسرائيل، نذر أن يقوم، ولا يقعد، ولا يستظل، ولا يتكلم، ويصوم، فقال النبي - صلى اللَّه عليه وسلم -: "مره، فليتكلم، وليستظلَّ، وليقعد، ولْيُتِمَّ صومه".
فقد أمر - صلى اللَّه عليه وسلم - هذا الناذر بأن يقوم، ولا يقعد، ولا يتكلّم، ولا يستظلّ، ويصوم، ولا يُفطر بأن يتمّ صومه، ويتكلّم، ويستظلّ، ويقعد، فأمره بفعل الطاعة، وأسقط عنه المباح.
وأصرح من ذلك ما أخرجه أحمد من طريق عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جدّه أيضًا: "إنما النذر ما يُبتغى به وجه اللَّه".
والجواب عن قصّة التي نذرت الضرب بالدّفّ ما أشار إليه البيهقيّ، ويمكن أن يقال: إن من قسم المباح ما قد يصير بالقصد مندوبًا، كالنوم في القائلة؛ للتقّوِّي على قيام الليل، وأكلة السحر للتقوّي على صيام النهار، فيمكن أن يقال: إن إظهار الفرح بعود النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - سالمًا معنًى مقصودٌ يحصل به الثواب.
وقد اختُلف في جواز الضرب بالدفّ في غير النكاح، والختان، ورجّح الرافعيّ في "المحرّر"، وتبعه في "المنهاج" الإباحة، والحديث حجةٌ في ذلك. وحمل بعضهم إذنه
الصفحة 350
393