كتاب ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (اسم الجزء: 30)
لكن في رواية هشام بن يوسف، عن ابن جريج عند البخاريّ في "التفسير" زيادة: "وقد حلفت، لا تُخبري بذلك أحدًا"، فهذه الزيادة -كما قال القرطبيّ- تبيّن على أن الكفّارة التي أُشير إليها في قول تعالى: {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} هي اليمين التي أشار إليها بقوله: "حلفت"، فتكون الكفّارة لأجل اليمين، لا لمجرّد التحريم، قال الحافظ: وهو استدلالٌ قويّ، فعلى هذا فلا يتمّ الاستدلال للمصنّف، ولا لمن ذهب هذا المذهب. واللَّه تعالى أعلم بالصواب.
3822 - (أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الزَّعْفَرَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: زَعَمَ عَطَاءٌ، أَنَّهُ سَمِعَ عُبَيْدَ بْنَ عُمَيْرٍ (¬1)، يَقُولُ: سَمِعْتُ عَائِشَةَ، تَزْعُمُ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -, كَانَ يَمْكُثُ عِنْدَ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ, فَيَشْرَبُ عِنْدَهَا عَسَلًا، فَتَوَاصَيْتُ أَنَا وَحَفْصَةُ, أَنَّ أَيَّتُنَا دَخَلَ عَلَيْهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَلْتَقُلْ: إِنِّي أَجِدُ مِنْكَ رِيحَ مَغَافِيرَ، أَكَلْتَ مَغَافِيرَ, فَدَخَلَ عَلَى إِحْدَاهُمَا, فَقَالَتْ:: ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ: "لَا بَلْ شَرِبْتُ عَسَلًا, عِنْدَ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ, وَلَنْ أَعُودَ لَهُ"، فَنَزَلَتْ: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} [التحريم: 1] إِلَى {إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ}: عَائِشَةُ وَحَفْصَةُ, {وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا} [التحريم: 1 - 3] لِقَوْلِهِ: "بَلْ شَرِبْتُ عَسَلًا").
قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: هذا الحديث متفق عليه، وقد تقدّم سندًا ومتنًا في "كتاب عشرة النساء" -4/ 3409 - "باب المغيرة"، وتقدّم شرحه مستوفًى هناك، وكذا بيان المسائل المتعلّقة به، فراجعه تستفد.
و"الحَسَنُ بْنُ مُحَمدٍ الزَّعْفَرَانِيُّ": هو أبو علي البغدادي، صاحب الشافعي الثقة [10]. و"حجّاج": وابن محمد الأعور المصَّيصيّ الثقة الثبت [9]. و"ابن جريج": هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي الثقة الفاضل، لكنه يدلس [6].
و"عطاء": هو ابن رباح المكي الإمام الحجة المشهور [3]. و"عبيد بن عمير": هو الليثي، أبو عاصم المكي "المجمع على توثيقه [2].
وقولها: "فتواصيتُ" أي توافقتُ. وقولها: "مغافير" هو شيء كريه الرائحة، وكان من عادة النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - الاحتراز عما له رائحة كريهة.
ودلالة الحديث على ما بوّب له المصنّف -رحمه اللَّه تعالى- قد تقدّم بيانه في الكلام على الترجمة. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع، والمآب.
"إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت، وما توفيقي إلا باللَّه، عليه توكلت، وإليه أنيب".
...
¬__________
(¬1) وقع في بعض النسخ: "عبيد اللَّه بن عمير"، وهو غلط فاحش، فتنبّه.
الصفحة 361
393