كتاب ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (اسم الجزء: 30)
و 14769 و 14869 (الدارمي) في "الأطعمة" 2048. واللَّه تعالى أعلم.
(المسألة الثالثة): في فوائده (¬1):
(منها): ما ترجم له المصنّف -رحمه اللَّه تعالى-، وهو بيان حكم من حلف أن لا يأتدم، فأكل خبزًا بخلّ، فإنه يحنث؛ لأنه - صلى اللَّه عليه وسلم - سمّاه "إدامًا" ومدحه. (ومنها): استحباب الحديث على الأكل، تأنيسًا للآكلين. (ومنها): استحباب مدح الشخص طعامه أمام الآكلين حتى ينبسطوا لأكله، ويقضوا حاجاتهم مثله. (ومنها): جواز أخذ الإنسان بيد صاحبه في تماشيهما؛ لأخذه - صلى اللَّه عليه وسلم - بيد جابر - رضي اللَّه عنه -. (ومنها): استحباب مواساة الحاضرين على الطعام. (ومنها): أنه يستحب جعل الخبز ونحوه بين أيدي الآكلين بالسويّة. (ومنها): أنه لا بأس بوضع الأرغفة، والأتراص صحاحًا، غير مكسورة، ومكسّورةٌ. (ومنها): ما قاله القرطبيّ: وقسمة النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - الأقرصة نصفين يدلّ على جواز فعل مثل ذلك مع الضيف، بل يدلّ على كرم أخلاق فاعله، وإيثاره الضيف عند قلّة الطعام، كما فعل النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -، فإن الذي قُدّم إليه كان غداءه، فإن أترصتهم صغار، لا سيّما في مثل ذلك الوقت، ومع ذلك، فشرّك فيه غيره، وفاءً بقوله - صلى اللَّه عليه وسلم -: "طعام الواحد كافي الاثنين، وطعام الاثنين كافي الثلاثة". رواه مسلم. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع، والمآب.
(المسألة الرابعة): قال أبو العبّاس القرطبيّ -رحمه اللَّه تعالى-: الإدام: كلّ ما يُؤتدم به، أي يُؤكل به الخبز مما يُطيّبه، سواء كان مما يُصطبغ به، كالأَمْراق، والمائعات، أو مما لا يُصطبغ به، كالجامدات، كاللحم، والبيض، والجبن، والزيتون، وغير ذلك، هذا معنى الإدام عند الجمهور، من الفقهاء، والعلماء، سلفًا، وخلفًا. وشذّ أبو حنيفة، وصاحبه أبو يوسف، فقالا في البيض، واللحم المشويّ، وشبه ذلك، مما لا يُصطبغ به ليس شيء من ذلك بإدام.
وينبني على هذا الخلاف الخلافُ فيمن حلف ألا يأكل إدامًا، فأكل شيئًا من هذه الجامدات، فحنّثه الجمهور، ولم يحنّثه أبو حنيفة، ولا صاحبه، والصحيح ما صار إليه الجمهور بدليل قوله - صلى اللَّه عليه وسلم - وقد وضع تمرةٌ على كسرة، وقال: "هذه إدام هذه". رواه أبو داود. وبدليل قوله - صلى اللَّه عليه وسلم - أيضًا، وقد سئل عن إدام أهل الجنّةِ الجنّةَ أوّل ما يدخلونها، فقال: "زيادة كبد الحوت". رواه البخاريّ. انتهى كلام القرطبيّ -رحمه اللَّه تعالى- (¬2)،
¬__________
(¬1) ليس المراد فوائد سياق المصنّف فقط، بل روايات حديث جابر - رضي اللَّه عنه - التي ذكرناها في الشرح، فتنبّه.
(¬2) "المفهم" 5/ 326.
الصفحة 365
393