كتاب ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (اسم الجزء: 30)
حقّ من لم يعتقد ذلك. واللَّه تعالى أعلم. انتهى كلام القرطبيّ -رحمه اللَّه تعالى-، وهو حسن جدًّا، وسيأتي بيان ما قاله العلماء في معنى النهي عن النذر تفصيلاً في المسألة الرابعة، إن شاء اللَّه تعالى.
(وَقَالَ) - صلى اللَّه عليه وسلم - (إِنَّهُ) أي النذر (لَا يَأْتِي بِخَيْرٍ) أي لا يردّ شيئًا من القدر، كما بينته الرواية التالية: "لا يأتي النذر على ابن آدم شيئًا، لم أقدّره عليه". وقال في "الفتح": أي أن عقباه لا تُحمَد، وقد يتعذر الوفاء به. وقد يكون معناه: لا يكون سببًا لخير لم يُقدّر، كما في الحديث، وبهذا الاحتمال الأخير صدّر ابن دقيق العيد كلامه، فقال: يحتمل أن تكون الباء للسببيّة، كأنه قال: لا يأتي بسبب خير في نفس الناذر، وطبعه في طلب القربة، والطاعة من غير عِوَض يحصل له، وإن كان يترتّب عليه خير، وهو فعل الطاعة التي نذرها لكن سبب ذلك الخير حصول غرضه. انتهى (¬1).
[تنبيه]: وقع في بعض نسخ البخاري: "لا يأت" بغير ياء، قال في "الفتح": وليس بلحن؛ لأنه قد سُمع من كلام العرب. انتهى (¬2).
(إِنَّمَا يُسْتَخْرَجُ بِهِ) بالبناء للمفعول (مِنَ الْبَخِيلِ) وفي الرواية التالية: "من الشحيح"، وفي رواية ابن ماجه: "من اللثيم"، ومدار الجميع على منصور بن المعتمر، عن عبد اللَّه ابن مرّة، فالاختلاف في اللفظ المذكور من الرواة عن منصور، والمعاني متقاربة؛ لأن الشح أخصّ، واللؤم أعمّ، قال الراغب الأصفهانيّ: البخل إمساك الْمُقْتَنَيات عمّا لا يَحِقُّ حبسها، والشخ بخلٌ مع حرص، واللزم فعل ما يلام عليه. انتهى (¬3). وقال البيضاويّ: عادة الناس تعليق النذر على تحصيل منفعة، أو دفع مضرّة، فنُهي عنه؛ لأنه فعل البخلاء، إذ السخي إذا أراد أن يتقرّب بادر إليه، والبخيل لا تُطاوعه نفسه بإخراج شيء من يده إلا في مقابلة عوض، يستوفيه أوْلًا، فليلتزمه في مقابلة ما يحصُل له، وذلك لا يُغني من القدر شيئًا، فلا يسوق إليه خيرًا لم يُقدّر له، ولا يردّ عنه شرًّا قُضي عليه، لكن النذر قد يوافق القدر، فيُخرج من البخيل ما لولاه لم يكن ليُخرِجه. ذكره في "الفتح" (¬4).
[فإن قيل]: هذا الحديث بظاهره يعارض (¬5) ما أخرجه الترمذيّ من حديث أنس
¬__________
(¬1) "فتح" 13/ 435 - 436.
(¬2) "فتح" 13/ 436.
(¬3) راجع "المفردات" ص 109 و 446.
(¬4) "فتح" 13/ 438.
(¬5) هذا على تقدير صحة الحديث، وإلا فهو ضعيفٌ؛ وإن في سند عبد اللَّه بن عيسى الخِزّاز ضعيف. فتنبّه.
الصفحة 376
393