كتاب ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (اسم الجزء: 30)

- رضي اللَّه عنه - مرفوعًا: إن الصدقة تدفع ميتة السوء"، فكيف يُجمع بينهما؟.
[أُجيب]: بأنه يُجمع بينهما بأن الصدقة تكون سببًا لدفع ميتة السوء، والأسباب مقدّرة كالمسببّات، وقد قال - صلى اللَّه عليه وسلم - لمن سأله عن الرُّقَى، هل تردّ من قدر اللَّه شيئًا؟ قال: "هي من قدر اللَّه". أخرجه أبو داود، والحاكم، ونحوه قول عمر - رضي اللَّه عنه -: "نفرّ من قدر اللَّه إلى قدر اللَّه"، ومثل ذلك مشروعيّة الطبّ، والتداوي. وقال ابن العربيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-: النذر شبيه بالدعاء؛ فإنه لا يردّ القدر، ولكنَّه من القدر أيضًا، ومع ذلك نُهي عن النذر، ونُدب إلى الدعاء، والسبب فيه أن الدعاء عبادة عاجلة، ويظهر به التوجّه إلى اللَّه، والتضرّع له، والخضوع، وهذا بخلاف النذر، فإن فيه تأخير العبادة إلى حين الحصول، وترك العمل إلى حين الضرورة. انتهى. ذكره في "الفتح" (¬1). واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع، والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.
مسائل تتعلق بهذا الحديث:
(المسألة الأولى): في درجته:
حديث ابن عمر - رضي اللَّه عنهما - هذا متّفقٌ عليه.
(المسألة الثانية): في مواضع ذكر المصنّف له، وفيمن أخرجه معه:
أخرجه هنا-24/ 3828 و 3829 و 25/ 3830 - وفي "الكبرى" 1/ 4743 و 4744 و 2/ 4745. وأخرجه (خ) في "القدر" 66081 و "الأيمان" 6692 و 6693 (م) في "النذور والأيمان" 1639 (د) في "الأيمان والنذور" 3287 (ق) في "الكفّارات" 2122 (أحمد) في "مسند المكثرين" 5253 و 5567 و 5958 (الدارمي) في "النذور والنذور" 2340. واللَّه تعالى أعلم.
(المسألة الثالثة): في فوائده:
(منها): ما ترجم له المصنّف -رحمه اللَّه تعالى-، وهو بيان النهي عن النذر، وسيأتي أقوال أهل العلم في معنى هذا الهي في المسألة التالية، إن شاء اللَّه تعالى. (ومنها): ما قال ابن العربيّ -رحمه اللَّه تعالى-: فيه حجة على وجوب الوفاء بما التزمه الناذر؛ لأن الحديث نصّ على ذلك بقوله: "يُستخرج به"، فإنه لو لم يلزمه إخراجه لما تمّ المراد من وصفه بالبخل من صدور النذر عنه، إذ لو كان مخيّرًا في الوفاء لاستمرّ لبخله على عدم الإخراج. (ومنها): أن فيه الردّ على القدريّة، حيث إن القدر دفع البخيل أن يخرج ماله، فلو كان يخلق أفعال نفسه لما أخرج ذلك. (ومنها): أن كلّ شيء يبتدئه المكلّف
¬__________
(¬1) "فتح" 13/ 438 - 439.

الصفحة 377