[وثانيها]: فضيلة السبق للإسلام.
[وثالثها]: خُصوصية الذبّ عن حضرة رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -.
[ورابعها]: فضيلة الهجرة، والنصرة.
[وخامسها]: ضبطهم للشريعة، وحفظها عن رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -.
[وسادسها]: تبليغها لمن بعدهم.
[وسابعها]: السبق في النفقة في أول الإسلام.
[وثامنها]: أن كلّ خير، وفضل، وعلم، وجهاد، ومعروف فُعِل في الشريعة إلى يوم القيامة، فحظّهم منه أكمل حظّ، وثوابهم فيه أجزل ثواب؛ لأنهم سَنُّوا سُنَن الخير، وافتتحوا أبوابه، وقد قال - صلى اللَّه عليه وسلم -: "من سنّ في الإسلام سُنّةً حسنةً، كان له أجرها، وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة" (¬1)، ولا شكّ في أنهم الذين سنُّوا جميع السنن, وسبقوا إلى المكارم، ولو عُدّدت مكارمهم، وفُسّرت خواصّهم، وحُصرت لملأت أسفارًا, ولكَلَّت الأعين بمطالعتها حيارى.
وعن هذه الجملة قال - صلى اللَّه عليه وسلم - فيما أخرجه البزّار عن جابر بن عبد اللَّه - رضي اللَّه عنهما -، مرفوعًا: "إن اللَّه اختار أصحابي على العالمين، سوى النبيين والمرسلين، واختار من أصحابي أربعة -يعني أبا بكر، وعمر، وعثمان، وعليًّا- فجعلهم أصحابي". وقال: "في أصحابي كلّهم خير" (¬2). وكذلك قال - صلى اللَّه عليه وسلم -: "اتّقوا اللَّه في أصحابي، فلو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبًا ما بلغ مُد أحدهم، ولا نصيفه" (¬3). وكفى من ذلك كلّه ثناء اللَّه تعالى عليهم جملةَ وتفصيلًا، وتعيينًا، وإبهامًا, ولم يحصل شيء من ذلك لمن بعدهم.
فأما استدلال المخالف بقوله - صلى اللَّه عليه وسلم -: "إخواننا" (¬4) فلا حجة فيه؛ لأن الصحابة قد
¬__________
(¬1) رواه مسلم، وتقدّم للمصنّف 5/ 75 - 76 من حديث جرير بن عبد اللَّه البجلي - رضي اللَّه عنه -.
(¬2) رواه البزّار كما في "كشف الأستار" -2763 - قال الهيثميّ: ورجاله ثقات، وفي بعضهم خلاف. اهـ "مجمع الزوائد"10/ 16.
(¬3) متّفقٌ عليه.
(¬4) هو ما أخرجه مسلم في "صحيحه" في "الطهارة" - برقم 249 - والمصنّف في "الطهارة" أيضًا برقم - 150 - عن أبي هريرة - رضي اللَّه عنه -، أن رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -، أتى المقبرة، فقال: "السلام عليكم دار قوم مؤمنين، وإنا إن شاء اللَّه بكم لاحقون، وددت أنا قد رأينا إخواننا"، قالوا: أولسنا إخوانك يا رسول اللَّه؟ قال: "أنتم أصحابي, وإخواننا الذين لم يأتوا بعدُ"، فقالوا: "فيف تَعرِف من لم يأت بعدُ من أمتك، يا رسول اللَّه؟ فقال: "أرأيت لو أن رجلاً له خيل، غُرّ، محجلة، بين ظهري خيل، دُهم، بُهم، ألا يعرف خيله؟ "، قالوا: بلى يا رسول اللَّه، قال: (فإنهم يأتون غرا محجلين، من الوضوء، وأنا فرطهم على الحوض، ألا لَيُذادنّ رجال عن حوضي، كما يذاد البعير الضال، أناديهم، ألا هَلُمّ، فيقال: إنهم قد بدلوا بعدك، فأقول سُحْقًا سُحْقًا".