- رضي اللَّه تعالى عنهم - عند أحمد في "مسنده" -4/ 436 - بإسناد جيّد: ما خطبنا رسول اللَّه - صلى اللَّه تعالى عليه وسلم - خطبة، إلا أمرنا بالصدقة، ونهانا عن المثلة" (وَيَنْهَى عَنْ الْمُثْلَةِ") بضمّ الميم، وسكون المثلّثة، وزان غُرْفة-: قطع بعض أطراف الحيوان، وهو حيّ. قال الفيّوميّ: مَثَلتُ بالقتيل مَثْلًا، من بابي قتل، وضرب: إذا جَدعته، وظهرتْ آثار فعلك عليه تنكيلًا، والتشديد مبالغةٌ، والاسم: الْمُثْلة، وزان غُرفة. انتهى.
وقال ابن الأثير: يقال: مثلتُ بالحيوان أمثُلُ به مَثْلًا: إذا قطعت أطرافه، وشَوَّهتَ به، ومَثَلْتُ بالقتيل: إذا جَدَعتَ أنفه، أو أُذنه، أو مذاكيره، أو شيئًا من أطرافه، والاسم الْمُثْلة، فأمّا مثّل بالتشديد، فهو للمبالغة. انتهى (¬1). واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.
مسألتان تتعلّقان بهذا الحديث:
(المسألة الأولى): في درجته:
حديث أنس - رضي اللَّه تعالى عنه - هذا صحيح، وإن كان في إسناده علّة، كما سيتّضح في المسألة التالية، إن شاء اللَّه تعالى.
وهو من أفراد المصنّف -رحمه اللَّه تعالى- عنه، أخرجه هنا- 10/ 4048 - وفي "الكبرى" 10/ 3510. واللَّه تعالى أعلم.
(المسألة الثانية): أعلّ الحافظ -رحمه اللَّه تعالى- في "الفتح" رواية المصنّف هذه بأن فيها إدراجًا، فقال عند قول البخاريّ: "قال قَتَادَةُ: وَبَلَغَنَا أنَّ النَّبِيَّ - صلى اللَّه عليه وسلم - بَعْد ذَلِكَ كَانَ يَحْثُ عَلَى الصَّدَقَةِ وَيَنْهَى عَنْ الْمُثْلَةِ". فقال: ما ملخّصه:
هَذَا الْمَتْنُ جَاءَ مِنْ حَدِيثِ قَتَادَةَ، عَنْ الْحَسَنُ الْبَصْرِيّ، عن هَيَّاج بْن عِمْرَان، عَنْ عِمْرَان بْن حُصَيْنٍ، وَعَنْ سَمُرة بْن جُنْدُب، قَالَ: "كَانَ رَسُول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - يَحُثُّنَا عَلَى الصَّدَقَةِ، وَيَنْهَانَا عَنْ الْمُثْلَةِ". أَخْرَجَهُ أبُو دَاوُدَ، مِنْ طَرِيقِ مُعاذ بْن هِشَام، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ قَتَادَةَ، بِهَذَا الإسْنادِ واللَّفْظِ، وَفِيهِ قِصَّة (¬2). وأخرجهُ أَحْمَد مِنْ طَرِيق سَعِيد، عَنْ قَتَادَةَ، بِهَذا الإسْنَادِ إِلَى عِمْرَان بْن حُصَيْنٍ، وفِيهِ الْقِصَّة، وَلَفْظه: "كَانَ يَحُثّ في خُطْبَتِهِ عَلَى الصَّدَقَةِ، وَيَنْهَى عَنْ الْمُثْلَةِ". وَعَنْ سَمُرَة مِثْل ذَلِكَ. وإِسْنَاد هَذَا الْحَدِيث قَوِيّ، فَإِنَّ هيَّاجًا -بِتَحْتانيَّةٍ ثَقِيلةٍ وَآخِرُهُ جِيمٌ- هُوَ ابْن عِمْرَان الْبَصْرِيّ، وثَّقهُ ابْن سَعْد، وابْن حِبَّانَ، وبقِيَّة رِجَاله مِنْ رِجَال الصَّحِيح. قال: وروي أيضًا مِنْ حَدِيث عَبْد اللَّه بن يَزِيد الأَنْصَارِيّ، قال: "نَهَى رَسُول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - عَنْ الْمُثْلة، وَالنُّهْبَى".
¬__________
(¬1) "النهاية" 4/ 294.
(¬2) سيأتي قريبًا ذكر القصّة، إن شاء اللَّه تعالى.